في خطوة توحي بأن الهند تتحرك على رقعة شطرنج دولية معقدة، وجّه رئيس الوزراء ناريندرا مودي دعوة رسمية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة نيودلهي هذا العام للمشاركة في القمة السنوية بين البلدين. الدعوة جاءت في لحظة مشحونة، حيث تتصاعد التوترات بين نيودلهي وواشنطن، وتتقاطع ملفات التجارة والطاقة والجغرافيا السياسية على نحو غير مسبوق.
ما وراء الدعوة: تكتيك أم إعادة تموضع؟
الخطوة الهندية لا يمكن قراءتها بمعزل عن الأزمة التجارية الأخيرة مع الولايات المتحدة، بعد أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسومًا جمركية بنسبة 50% على الصادرات الهندية. في الظاهر، قد تكون المسألة مرتبطة بمصالح اقتصادية مباشرة، لكن هل هي في العمق إشارة إلى أن الهند بدأت تعيد ترتيب أولوياتها الإستراتيجية؟
هنا يبرز سؤال أوسع: هل ما نشهده هو بداية مسافة محسوبة بين نيودلهي وواشنطن، أم مجرد جولة في لعبة الضغط المتبادل؟
الذاكرة التاريخية للتحالفات
من منظور الهند، موسكو ليست شريكًا عابرًا. منذ عقود، لعبت روسيا دور الداعم في محطات حرجة، على عكس الولايات المتحدة التي كانت في فترات أقرب إلى باكستان. فهل تعود الهند اليوم إلى “الملاذ الروسي” في لحظة اضطراب مع حليفها الأميركي الجديد نسبيًا؟ أم أنها تحاول فقط موازنة العلاقات لتكسب من الطرفين؟
إشارات إضافية على التحول
الأمر لا يتوقف عند بوتين. فمودي يتواصل أيضًا مع البرازيل ضمن تنسيق محتمل لمواجهة السياسات التجارية الأميركية، ويستعد لزيارة تاريخية إلى الصين رغم إرث الخلافات الحدودية.
فهل هي ملامح محور آسيوي–لاتيني جديد يسعى لتقليص الاعتماد على الغرب؟
الموقف الأميركي: تهوين رسمي وتحذيرات داخلية
بينما تحاول الخارجية الأميركية التقليل من وقع الأزمة، محذّرة من “اختلافات في بعض الملفات” لا تمس جوهر الشراكة، تأتي أصوات من داخل المؤسسة الأميركية، مثل ليندسي فورد، لتحذر من أن النهج الحالي قد يدفع الهند أكثر نحو روسيا والصين.
وهنا يتجلى سؤال محوري: هل واشنطن مستعدة لخسارة شريك آسيوي بحجم الهند في ظرف عالمي يتسم بتعدد الأقطاب؟
لعبة التوازن الهندية
الهند تبدو وكأنها تعيد إحياء سياسة “عدم الانحياز” بأسلوب محدث: شراكات متعددة الاتجاهات، بدون التزامات نهائية. لكن إلى أي حد يمكن لهذه السياسة أن تصمد أمام الضغوط الاقتصادية والسياسية من القوى الكبرى؟ وهل تستطيع نيودلهي أن تبقى لاعبًا مستقلاً في وقت يسعى فيه الجميع لجرّها إلى أحد المعسكرين؟
خلاصة تحليلية: الدعوة الموجهة لبوتين ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل ورقة في لعبة جيوسياسية معقدة، عنوانها الأبرز: البحث عن هامش مناورة أكبر بين الغرب وخصومه. لكن هذا الهامش قد يتحول إلى حافة خطر إذا لم يُدار بمهارة، خصوصًا في زمن تتسارع فيه التحالفات والانقسامات.