في مقال أثار جدلاً واسعاً، دافع أحمد الشرعي، مالك مجموعة “الأحداث المغربية”، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مهاجماً المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
الشرعي، المعروف بمقولته “كلنا إسرائيليون”، وصف قرار المحكمة بأنه “سابقة خطيرة” تهدد سيادة الدول الديمقراطية، معتبراً أن المحكمة تسعى لتجاوز الأنظمة القضائية العاملة مثل القضاء الإسرائيلي المستقل.
لكن هذا الطرح يثير تساؤلات عميقة حول مفهوم الديمقراطية في دولة تمارس الاحتلال والقمع الممنهج ضد الفلسطينيين، وحول دور المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق العدالة في حالات فشل القضاء المحلي.
الشرعي اعتبر أن المحكمة الجنائية الدولية، التي أُنشئت لمعالجة الجرائم الكبرى في الدول الفاشلة، قد تجاوزت صلاحياتها بتدخلها في شؤون إسرائيل، وهو ما يثير أسئلة حول حدود السيادة الوطنية عندما يتعلق الأمر بجرائم إنسانية.
القضاء الإسرائيلي الذي يشيد به الشرعي، رغم ادعاءات استقلاليته، لم يكن يوماً محايداً في القضايا المتعلقة بالفلسطينيين، حيث تشير تقارير دولية إلى انحيازه لصالح السياسات الإسرائيلية.
وبالتالي، فإن تدخل المحكمة الجنائية لا يمكن اعتباره انتهاكاً للسيادة، بل ضرورة لتحقيق العدالة في غيابها محلياً.
وفي الوقت ذاته، اتهم الشرعي المحكمة بالتسييس، مشيراً إلى أنها أصبحت أداة للتلاعب السياسي بدلاً من أن تكون مدافعاً عن العدالة. هذا الاتهام يطرح سؤالاً محورياً: هل يمكن اعتبار الجرائم ضد الإنسانية شأناً داخلياً يُترك للقضاء المحلي، أم أنها مسؤولية دولية تتطلب تدخلاً شاملاً؟ ومن زاوية أخرى، هل تتوافق هذه المواقف مع الرؤية المغربية الرسمية، خاصة أن المغرب يقود لجنة القدس ويتبنى موقفاً داعماً للقضية الفلسطينية؟
إلى جانب ذلك، ألقى الشرعي باللوم على إيران باعتبارها الممول والمحرك للصراعات في المنطقة من خلال دعمها لجماعات مسلحة كحماس وحزب الله، متجاهلاً في الوقت نفسه دور إسرائيل في تأجيج الصراع.
هنا يبرز سؤال آخر حول مدى حيادية هذا الطرح، خاصة وأن تحميل المسؤولية لإيران فقط يتجاهل جذور الصراع وآثاره الممتدة التي تتحمل إسرائيل نصيباً كبيراً منها. هذه القراءة الجزئية للصراع تهدف، على ما يبدو، إلى تبرئة إسرائيل من مسؤوليتها وإعادة توجيه اللوم نحو أطراف أخرى.
مواقف الشرعي أثارت استغراباً داخل المغرب، حيث يظل الشارع المغربي متمسكاً بدعمه التاريخي للقضية الفلسطينية، مما يدفع للتساؤل عما إذا كانت هذه الآراء تمثل توجهات فردية أم أنها مؤشر على تغير في مواقف بعض النخب الإعلامية المغربية.
وتُطرح هنا أيضاً تساؤلات حول تأثير مثل هذه المواقف على مصداقية المغرب الإقليمية، خاصة أنه يسعى للعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هل يمكن لمثل هذه الآراء أن تؤثر على مكانة المغرب كرئيس للجنة القدس؟ وكيف يمكن للدولة المغربية التوفيق بين مواقف رسمية داعمة للقضية الفلسطينية وأصوات فردية تناقض هذا الدعم؟
المقال يعيد فتح النقاش حول حدود السيادة الوطنية، دور القضاء الدولي، ومسؤولية الأطراف المختلفة في الصراعات الإقليمية.
فبينما يرى الشرعي أن المحكمة الجنائية الدولية تتجاوز اختصاصاتها، هناك من يرى أن تدخلها ضروري في مواجهة غياب العدالة على المستوى المحلي.
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن فصل النقاش عن سياقاته السياسية الأوسع؟ وهل يمكن أن تتحقق العدالة دون النظر إلى كل الأطراف المتورطة؟ المقال يفتح باباً لتساؤلات عميقة حول العدالة، السيادة، ومسؤولية النخب الإعلامية في صياغة الخطاب العام.