بالرغم من تطمينات وزارة الداخلية المغربية، القاضية بعدم الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، يبقى المواطن المغربي يتكبد لوحده تداعيات الأسعار الملتهبة للمواد الغذائية في هذا الشهر المبارك، فأزمة ارتفاع الأسعار تقتحم السوق المغربي كلما حل شهر رمضان، على رغم استقرارها خلال السنة.
في هذا الصدد ، قالت النائبة البرلمانية رجاء كساب عن مجموعة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” بمجلس المستشارين، إنه رغم الإجراءات التي تتخذها الحكومة كل سنة قبل رمضان، عندما اصطدم المغاربة بارتفاع أسعار البيض واللحوم الحمراء ولحوم الدواجن وحتى الخضار. هذا الارتفاع في الأسعار زكته “المندوبية السامية للتخطيط” في تقرير حديث حول تطور أثمان الاستهلاك خلال النصف الأول من سنة 2021.
ويأتي جواب النائبة كساب على مداخلة لحفيظ العلمي وزير التجارة والصناعة بجلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، اليوم الثلاثاء، مؤكدةً معاناة المواطنين المغاربة مع الارتفاع الكبير للأسعار في رمضان تفاقمت في ظل جائحة كورونا، خاصة مع قرار الإغلاق الليلي الذي اتخذته الحكومة دون أية إجراءات مصاحبة.
وأكدت كساب أن الحكومة تركت هذه الفئات المتضررة عرضة لأصحاب “القفف” الذين يقوموا بحملات انتخابية سابقة لأوانها” على حد تعبيرها.
وأشارت، إلى أن ثمن السردين في المرسى لا يتجاوز درهمين ونصف، بينما يصل سعره في الأسواق إلى 25 درهما للكيلوغرام وهو سعر لا يمكن أن يتحمله المواطن المغربي البسيط.
ولفتت إلى أن أسعار الماء والكهرباء تشهد بدورها ارتفاعا في رمضان، إلى جانب المحروقات والمواصلات، مؤكدة أن هناك إشكالا حقيقيا في أثمنة المحروقات، لأن أسعارها الحالية في السوق لا تتماشى مع التقلبات الموجودة في الأسواق العالمية، والحكومة مع الأسف تتفرج على نهب جيوب المغاربة التي وصلت من 2016 إلى الآن إلى 38 مليار درهم.
وشددت كساب على أن الحكومة ساهمت في إعدام “لا سامير” ولذلك في تخسر الآن 4 مليار درهم سنويا على المحروقات، علما أن مصفاة “سامير” هي معلمة وطنية شيدها وطنيون أحرار كان همهم الحقيقي هو الإقلاع بالتصنيع الذي تبحث عنه الحكومة الآن.
وتابعت” اليوم نتفرج فيما يفعله أشخاص يعتبرون المغرب بقرة حلوب يستفيدون منها بمعية المقربين منهم”.
وأبرزت كساب أن المغرب يصنع الآن السيارات وهذا أمر جميل جدا، لكن هل المستهلك المغربي لا يستفيد من هذا التصنيع لأن نفس السيارة وبموصفات أكثر جودة تباع في السوق الأوروبية بأثمنة أقل، أما المتسهلك المغربي فهو متضرر لا من ناحية الثمن ولا الجودة.
وأشارت أن نفس الأمر ينطبق على الأدوية لأن أسعارها مرتفعة جدا في المغرب، ليس بالمقارنة مع دول الجوار مثل الجزائر وتونس بل حتى على الدول الأوروبية وجودتها حدث ولا حرج، علما أن المغرب كان من بين الدول الأوائل في القارة الإفريقية المصنعة للدواء.
وتعدّ قضية حماية المستهلك من الأدوار الرئيسية المنوطة بـ”مجلس المنافسة”، ولذلك كشف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال الاجتماع الأسبوعي الذي عقده مع الوزراء عن بعد بداية الشهر الجاري، أنه كلّف كلاًّ من الأمين العام للحكومة ووزير الاقتصاد بالعمل على مراجعة القانون المتعلق بحريات الأسعار والمنافسة، من أجل تقوية “مجلس المنافسة” باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة تضطلع بوظائفها في الْحَوْكَمَة الجيدة وتكريس دولة القانون في المجال الاقتصادي وحماية المستهلك، وأكد أن حماية المستهلك وحماية حرية الأسعار وضمان المنافسة الشريفة جزء أساسي في البناء الاقتصادي الذي ينشده الجميع.
في السياق نفسه، عقد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، اجتماعاً عن بعد مع ولاة وعمال الأقاليم (المحافظات) خصص لتقييم وتتبع وضعية تموين السوق المحلية ومستوى أسعار المواد الأساسية، وكذا لتوجيه تدخلات المصالح المكلفة بالمراقبة وبحماية المستهلك، وتعزيز آليات التنسيق بين مختلف الإدارات المعنية. وأضاف بيان في الموضوع أن وضعية التموين الراهنة والمرتقبة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة تتميز بعرض وافر ومتنوع يلبي حاجيات المواطنين بكافة الأقاليم من مختلف المواد والمنتجات الأساسية، سواء منها المحلية أو المستوردة، لا سيما تلك التي يكثر عليها الطلب بمناسبة شهر رمضان.
ودعا الوزير العمال والولاة إلى العمل من أجل حماية المستهلك من كل الممارسات التي قد تمس بصحته وسلامته وبقدرته الشرائية وزجر المخالفات والممارسات غير المشروعة وفق ما تنص عليه القوانين المعمول بها، مشدداً على أن عمليات المراقبة وتتبع الأسواق يجب أن تندرج في سياق الاستمرارية واستباق المخاطر والتطوير المتواصل لآليات العمل والتنسيق بين مختلف الفاعلين المعنيين.
وشدد المسؤول الحكومي على تفعيل أرقام الاتصال الهاتفية وخلايا المداومة في الأقاليم والمصالح المختصة قصد تلقي ومعالجة تبليغات وشكايات المستهلكين والتجار وهيئات المجتمع المدني بشأن التموين والجودة والأثمان وكل ما قد يتم تسجيله من ممارسات غير مشروعة، من شأنها الإخلال بالسير العادي للأسواق أو الإضرار بصحة وبسلامة المواطنين.
وجهة نظر تتقاسمه مع المواطن المغربي المسكين جريدة “المساء” المغربية التي كتبت، قبل رمضان، افتتاحية قالت فيها إن الأسعار الحارقة التي سكنت أسواق الخضار والفواكه والدجاج، والتي طالت أيضاً عدداً من المواد الأخرى، لم تنجح في لفت انتباه الحكومة ولا أحزاب الأغلبية المشكّلة لها، بعد أن صرفت هذه الأخيرة كل اهتمامها نحو “القاسم الانتخابي”. وأضافت أن “الغلاء لم تعد موجة أو سحابة صيف عابرة كما نظن، أو كما تدعي الحكومة التي تجتهد كثيراً في صناعة التبريرات لإلصاق التهمة إما بالمضاربة أو بالتساقطات أو بالجفاف أو بالسوق العالمية وتقلباتها”.
وأوضحت أن “الغلاء أصبح قاعدة ثابتة ومهيمنة على السوق، في ظل الجمود الذي أصاب الأجور، بالموازاة مع الزيادات التي زحفت شيئاً فشيئاً على العديد من السلع والمواد والخدمات، حتى أصبحنا الآن أمام وضع غير متكافئ تحاول الحكومة الالتفاف عليه عوض المبادرة إلى معالجته، بعد أن تأكد أن السلم المتحرك للأجور كان مجرد حلم عزيز المنال”.
واستطردت قائلة: “كما فعل سعد الدين العثماني ذات يوم، حين زار السد وتباهى بشرب كؤوس كثيرة من الماء ليطمئن المغاربة إلى جودته بعد فضيحة “الواد الحار” (في إشارة إلى قضية تلوث البيئة والماء) كنا نتمنى أن يبادر رئيس الحكومة إلى زيارة سوق شعبي من أجل معاينة الصعوبة البالغة التي يجدها المواطن المغربي في الموازنة بين ملء القفة وإفراغ جيبه في معادلة غير متكافئة بالمرة، خاصة بعد هذه الجائحة التي زادت في إفقار الفقير وإغناء الغني، والعهدة على التقارير الرسمية التي توقعت أن ينخرط أزيد من مليون مغربي في نادي الفقر من أوسع أبوابه”.
ولاحظت الصحيفة نفسها أن “هذه المعادلة تكشف أن معدلات الفقر بالمغرب مثل البورصة تتحرك يومياً بتحرك الأسعار دوماً نحو الأعلى؛ كما أن هذه المعادلة تكشف وجود عملية انزياح مستمر بين الطبقة الفقيرة والمعدمة وما كان يسمى سابقاً بالطبقة المتوسطة بعد أن توحد الجميع في الشكوى من سوط الغلاء”.