في ندوة صحافية عقدها اليوم الاثنين بالرباط، كشف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المعارض، محمد نبيل بنعبد الله، عن ما وصفه بـ”تسونامي المال” الذي شهدته الانتخابات التشريعية لسنة 2021، مطالباً بإصلاح شامل يضمن نزاهة العملية الانتخابية ويعيد الثقة بين المواطن والمؤسسات.
بنعبد الله وصف خطاب وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الذي وجهه لزعماء الأحزاب عقب خطاب عيد العرش الأخير، بأنه “خطاب غير مسبوق” و”متقدم من حيث الوضوح والصراحة”، مؤكدًا على ضرورة مواجهة مظاهر الفساد الانتخابي وضمان التعبير الحر للإرادة الشعبية.
أرقام صادمة وأزمة ثقة حقيقية
أشار الأمين العام لحزب “الكتاب” إلى أرقام معبرة تعكس حجم أزمة المشاركة السياسية في المغرب: من بين 28 مليون مواطن مؤهل للتصويت، لا يشارك في الانتخابات نحو 18 مليوناً، منهم 9 ملايين غير مسجلين و9 ملايين مسجلين يفضلون العزوف.
بنعبد الله اعتبر أن هذه الأرقام تعكس أزمة ثقة حقيقية، لا يمكن معالجتها إلا من خلال إصلاح سياسي شامل يعيد الاعتبار للعملية الانتخابية ويقوي الثقة في المؤسسات.
إصلاح الانتخابات: من مكافحة المال السياسي إلى تعزيز الكفاءات
في خطابه، شدد بنعبد الله على أن الانتخابات ليست مجرد مسألة حزبية ضيقة، بل قضية مجتمعية تتطلب انخراط كل القوى المدنية والمهنية والثقافية، مشدداً على ضرورة محاسبة كل من يخرق قواعد النزاهة، بدل تعميم الانحرافات على جميع الأحزاب.
وطالب بإبعاد كل من يلاحقه ملف قضائي أو شبهة فساد، وفتح الطريق أمام الكفاءات النزيهة لإعطاء صورة مغايرة عن السياسة، مؤكداً أن المعركة الحقيقية هي “معركة ديمقراطية يومية”، تتطلب إصلاحاً تدريجياً وتراكماً إيجابياً يؤدي إلى مؤسسات قوية ونزيهة.
البرلمان ودور الأحزاب: إعادة الثقة في المؤسسات
الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية شدد على أهمية استعادة البرلمان مكانته كفضاء للمراقبة والتشريع، مشيراً إلى أن الممارسة الحالية قد حولت المؤسسة إلى جهة فاقدة للمصداقية والشرعية.
وأضاف بنعبد الله أن الشراكة الفعلية بين وزارة الداخلية والقوى السياسية على المستويين الإقليمي والمحلي، تشكل ضمانة لنجاح الانتخابات المقبلة وبناء علاقة جديدة بين المواطن ومؤسساته.
مغاربة العالم بين المشاركة السياسية والدور الوطني
تصريحات نبيل بنعبد الله حول مغاربة العالم تتجاوز مجرد الطرح الانتخابي الحزبي لتكشف عن استراتيجية مزدوجة تجمع بين البعد السياسي الداخلي والبعد الوطني والدولي. فالحزب يطالب بتمكين المغاربة المقيمين بالخارج من التصويت في دوائرهم المحلية واختيار ممثليهم مباشرة، وهو مطلب يعكس إدراكه لأهمية هذه الشريحة كقوة انتخابية مؤثرة يمكن أن تعزز أو تعدل نتائج الانتخابات المقبلة.
في الوقت نفسه، يربط الأمين العام مشاركة مغاربة العالم بقضية الصحراء المغربية، ما يعطي تصريحاته بعداً وطنياً واستراتيجياً. هذا الربط يشير إلى أن تعزيز مشاركة الجالية لا يقتصر على كسب الأصوات، بل يمتد إلى تقوية الجبهة الداخلية وإظهار المغرب كدولة ديمقراطية وملتزمة بمشاركة جميع مواطنيها، داخلياً وخارجياً، في صنع القرار الوطني.
وبهذا، يسعى بنعبد الله إلى توجيه رسائل متعددة: أولاً للداخل، مفادها أن الانتخابات المقبلة يجب أن تتم بنزاهة، وأن المغاربة في الخارج سيكون لهم دور فعال لا يمكن تجاهله؛ وثانياً للخارج، مفادها أن الحزب يحرص على ضمان تمثيل الجالية ومصالحها في السياسات الوطنية، بما يعكس صورة المغرب على الساحة الدولية.
في المجمل، يظهر أن الحزب لا يلعب على وتر المغاربة مجرد استثمار انتخابي، بل يستخدم هذا البعد لإبراز دوره كمدافع عن الديمقراطية والشفافية، ولتأكيد أهمية مشاركة جميع المواطنين في تعزيز الاستقرار الوطني ومصداقية المؤسسات.
دعوة لتعاقد سياسي جديد وإصلاح تدريجي
كما دعا الأمين العام إلى إرساء تعاقد سياسي جديد بين الأحزاب يلتزم الجميع من خلاله باحترام قواعد النزاهة والشفافية، وإطلاق جيل جديد من الإصلاحات السياسية يوازي النموذج التنموي الجديد، مؤكداً أن الديمقراطية ليست شعاراً، بل مسار شاق يمكن الوصول فيه إلى نتائج ملموسة إذا توفرت الإرادة الصادقة لمحاربة الفساد وتكريس التنافس الشريف.
خاتمة
تصريحات نبيل بنعبد الله تعكس حجم التحديات التي تواجه العملية الانتخابية في المغرب، وتسلط الضوء على ضرورة تدخل جميع الأطراف، بدءاً من السلطات الرقابية والأحزاب السياسية، وصولاً إلى المجتمع المدني، لضمان انتخابات نزيهة تعكس إرادة المواطنين الحقيقية وتعيد الثقة إلى المؤسسات الديمقراطية.