نداء طنجة المتوسط: حين تكتب النساء جسوراً ثقافية بين الضفتين

0
496

في مدينة طنجة المتوسط، حيث تمتزج رائحة البحر بإرث الأندلس، انعقد في أواخر شهر ماي 2025 حدثٌ ثقافي ليس عادياً في زمن غير عادي: الملتقى الأول لمشاركات ومشاركي رابطة كاتبات المغرب، ورابطة كاتبات إفريقيا، وجمعية النساء الكاتبات المبدعات بإسبانيا (AMEIS)، تحت شعار بالغ الدلالة: “الأدب جسر بين الضفتين”.

وراء هذا الشعار، تتوارى رؤية هادئة لكنها عميقة: أن تكون الكاتبة صوتاً بديلاً عن صراعات الجغرافيا والسياسة، وصانعة جسور روحية ومعرفية، حيث فشلت المشاريع الكبرى في خلق تواصل إنساني حقيقي بين الشعوب.

المرأة الكاتبة: بين الإبداع والدبلوماسية الناعمة

هذا الملتقى، الذي جاء لتفعيل اتفاقية شراكة ثلاثية، لا يحمل فقط أهدافاً ثقافية؛ بل هو فعل ديبلوماسي ناعم تتحرك فيه الكاتبة كفاعل مدني ومسؤولة عن مصير الكلمة في زمن التيه السياسي والانغلاق. فالكاتبة هنا لا تكتب من أجل الترف الفكري، بل من أجل إعادة صياغة العلاقة بين الشعوب من بوابة الأدب، ومقارعة قوى الكراهية والعنف بلغة الشعر والسرد والتأمل.

هل تستطيع الكاتبة أن تؤدي هذا الدور وسط عالم تنكمش فيه الحدود الثقافية تحت وطأة الأمن والاقتصاد؟ هل يمكن للأدب أن يعيد للمتوسط رسالته كفضاء حضاري مشترك لا كخط تماس سياسي؟

ثقافة نسائية عابرة للضفاف

جاء هذا الملتقى ليثبّت أن للنساء الكاتبات دوراً في صناعة الدبلوماسية الثقافية العابرة للحدود، من خلال تنويع مجالات التعبير، والاعتراف المتبادل بالإبداع النسائي كجزء من الذاكرة المشتركة بين المغرب وإسبانيا، بل وبين إفريقيا وأوروبا.

لم تعد الكاتبة المغربية أو الإفريقية أو الإسبانية شخصية هامشية في النقاش الثقافي؛ بل أصبحت حاملة لمشروع حضاري متكامل، يتأسس على مفاهيم الانفتاح، التضامن، التسامح، وحماية الذاكرة الإنسانية المشتركة. إن إدراك أهمية الجغرافيا المتوسطية، من جنوبها إلى شمالها، يحوّل هذه الاتفاقيات من مجرد مشاريع رمزية إلى أفعال لها بعدها الجيوثقافي والسياسي.

السياق لا يقل أهمية عن الحدث

اللقاء لم ينعقد في فراغ. إنه يتموضع في لحظة إقليمية ودولية يشوبها القلق والانكفاء. العالم يمر بتحولات كبرى: صعود الهويات المنغلقة، تشظي القيم الإنسانية، وإضعاف المؤسسات الثقافية لصالح التقنوقراط والمصالح العابرة للثقافة.

في هذا السياق، تصبح الثقافة النسائية ــ تحديداً ــ ضرورة وجودية. لأن الإبداع النسائي يشتغل على الهامش والهوية والذاكرة، وهي كلها معارك وجودية تتجاوز السياسة الظرفية. الملتقى يذكّرنا بأن الكاتبة ليست فقط صانعة نص، بل صانعة وعي جماعي جديد، قادر على مقاومة التهميش والرداءة والتطرف.

نحو ميثاق ثقافي جديد بين ضفتي المتوسط

هل حان الوقت لوضع ميثاق ثقافي نسائي بين الجنوب والشمال؟ وهل نحن، كمجتمعات، على استعداد للاعتراف بسلطة الكلمة وصوت الكاتبة في زمن الأزمة؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تُختزل في بيانات الختام، بل تُبنى بالمراكمة والإنصات والتفاعل مع التجارب النسائية المختلفة، باعتبارها مصادر للرؤية والتجديد.

الكاتبات المشاركات أكّدن بإرادة جماعية على تحويل الاتفاق الثقافي الثلاثي إلى دينامية مستدامة، تُعزز دور المرأة الكاتبة كقوة ناعمة وفاعلة في خدمة الارتقاء الحضاري. فالثقافة، كما قلن، ليست ترفاً أو احتفالاً، بل مسؤولية مشتركة من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية.