في خطوة أثارت الانتباه في المشهد السياسي المغربي، أعلنت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها عن عزمها المساهمة في ضمان نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2026، باعتبارها إحدى ركائز تخليق الحياة العامة وتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات. الإعلان جاء عقب اجتماع مجلسها الثالث والعشرين، حيث ناقشت الهيئة محاور استراتيجية ترتبط بتوسيع مجالات تدخلها وتطوير أدوات اشتغالها، وفي صلبها مكافحة الفساد الانتخابي.
لكن، هل سيكون دخول الهيئة إلى معترك العملية الانتخابية كـ”مراقب ومتتبع” مجرد حضور رمزي، أم خطوة عملية قد تُحدث تحولاً في بنية اللعبة الانتخابية التي لطالما وُصمت بظلال المال والزبونية؟
السياق السياسي: ضغط مجتمعي وحزبي ضد الفساد
إعلان الهيئة يأتي في ظل تزايد الأصوات المطالبة بقطع الطريق أمام “وجوه الفساد الانتخابي”، بعدما أجمعت الأحزاب السياسية الكبرى ـ العدالة والتنمية، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، التقدم والاشتراكية ـ على ضرورة ضخ دماء جديدة في المشهد السياسي، ومنع ترشح الأسماء المتورطة سابقاً في شبهات فساد. هذه الدعوات عكست، في جانب منها، محاولة الأحزاب استعادة ثقة الناخبين التي اهتزت جراء تراكم الممارسات غير النزيهة في المحطات السابقة.
لكن المفارقة أن هذه الأحزاب، وهي تدعو لمحاربة الفساد، تختلف في العمق حول الفاعل المؤسساتي الذي يجب أن يقود العملية الانتخابية: هل هو وزارة الداخلية بما تمثله من خبرة وهيمنة تاريخية على التنظيم الانتخابي؟ أم هيئة مستقلة تضمن حياد الدولة وتجردها من أي تأثير مباشر؟
معركة القوانين: بين المقترحات والإرادة السياسية
وزارة الداخلية تشتغل حالياً على دراسة مقترحات الأحزاب، تمهيداً لصياغة مشاريع قوانين تنظيمية ستُعرض على البرلمان بعد المرور عبر الأمانة العامة للحكومة والمجلس الحكومي. وهنا يطرح سؤال جوهري: إلى أي حد ستترجم هذه القوانين التوافقات السياسية إلى نصوص عملية، بعيداً عن التوازنات الحزبية والحسابات الضيقة؟
التحدي الأكبر: المال الانتخابي وشراء الأصوات
يُجمع المراقبون على أن شراء الأصوات والاعتماد على المال الانتخابي يظل أكبر عائق أمام نزاهة الاستحقاقات في المغرب. تجربة الانتخابات السابقة أبرزت أن الرشاوي، مهما كانت متفرقة أو موسمية، تفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها وتحولها إلى مجرد تبادل مصالح ظرفي. فهل تمتلك هيئة النزاهة القدرة القانونية والعملية للتصدي لهذه الممارسات؟ أم أن دورها سيتوقف عند حدود “التوصية والتقرير” دون صلاحيات زجرية حقيقية؟
بين الطموح والواقع: أي مستقبل لمراقبة مستقلة؟
مساهمة الهيئة في مراقبة نزاهة الانتخابات تبدو من حيث المبدأ خطوة إيجابية، لكنها تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة:
-
هل ستتوسع صلاحياتها لتتجاوز المراقبة الشكلية نحو آليات التحقيق والمتابعة القضائية؟
-
كيف ستنسق الهيئة مع وزارة الداخلية والأحزاب لضمان عدم تضارب الأدوار؟
-
هل سيتجاوب الناخب المغربي مع هذه الخطوات ويستعيد ثقته في صناديق الاقتراع؟