نزيف الأطر التمريضية بالمغرب: أزمة متصاعدة وتحديات مستمرة… هل تكفي الوعود لإيقاف الهجرة؟

0
126

بين أروقة المعاهد العليا لمهن التمريض وتقنيات الصحة، وأقسام المستشفيات العمومية التي تعاني ضغطًا متواصلًا، يتردد صدى سؤال مقلق: لماذا يصرّ الممرض المغربي على شدّ الرحال نحو كندا وألمانيا والخليج، رغم كل الوعود الحكومية بالتحسين والتوظيف؟

ظاهرة تتسع… ووعود تتكرر

وفق معطيات النقابة المستقلة للممرضين، يتراوح عدد طلبات الهجرة سنويًا بين 800 و900، وقد يتجاوز الألف أحيانًا. هذا الرقم لا يعكس الرغبة الفردية فقط، بل يكشف عن اختلال هيكلي في بيئة العمل داخل المغرب. فرغم تخصيص وزارة الصحة 8600 مقعد تكويني للموسم 2025/2026، في أفق بلوغ 97 ألف مهني صحي بحلول 2030، يبقى الواقع بعيدًا عن الطموحات: حاجيات المنظومة تُقدَّر بـ65 ألف ممرض، بينما لا يتجاوز العدد الحالي في المستشفيات 32 ألفًا فقط.

بين الأجور والاعتراف المهني

الدوافع ليست مالية فقط. الممرضون يشكون من غياب حماية قانونية لمهنتهم، ومن تداخل اختصاصاتهم مع الأطباء، ما يجعلهم عرضة لمسؤوليات قضائية غير واضحة. كما أن غياب هيئة وطنية للممرضين، على غرار هيئات الأطباء والصيادلة، يترك المهنة مكشوفة أمام المخاطر. ويضاف إلى ذلك ضغط الحراسة والمداومة، ونظام التعاقد الذي يهدد استقرارهم المهني.

هل يكفي الحل الإداري؟

وزارة الصحة وعدت بوقف البطالة في صفوف الخريجين الجدد عبر التوظيف، وأشارت إلى نيتها تحسين ظروف العمل. غير أن تجارب سابقة تُظهر أن الحلول الإدارية الجزئية لا تكفي. النقابات تشدد على أن الهجرة لن تُكبح بقرارات فوقية، بل بسياسة جاذبية حقيقية، تشمل رفع الأجور، إصلاح أنظمة التعويضات، وتوفير ظروف عمل تحفظ كرامة المهنيين.

الإصلاح الصحي على المحك

إطلاق تجربة “المجموعات الصحية الترابية” يشكّل خطوة في مسار إصلاح المنظومة، لكن نجاحها يبقى مرهونًا بقدرة الوزارة على الاحتفاظ بمكون أساسي: الممرض. كيف يمكن الحديث عن إصلاح شامل في ظل نزيف بشري مستمر؟ وهل يعقل أن يستثمر المغرب في تكوين أطره، ليغادر أغلبهم بعد سنوات قليلة نحو الخارج؟

الإحصائيات والتوجهات

تشير الدراسات إلى أن حوالي 47.3% من المهنيين الصحيين بالمغرب يُبدون رغبة في الهجرة، بينما يُظهر 52.68% ميولًا أقل لذلك. أما الطلاب في السنة النهائية بكلية الطب، ف71.1% منهم ينوون الهجرة بعد التخرج. هذه الأرقام تؤكد أن الرغبة في المغادرة ليست فردية فقط، بل مرتبطة بهياكل النظام الصحي وظروفه.

التحديات الداخلية

المنظومة الصحية المغربية تواجه عدة تحديات: نقص عدد الممرضين والأطباء، ضعف التحفيزات المالية، ظروف العمل الصعبة، وتداخل الاختصاصات مع الأطباء، ما يزيد من الضغوط على المهنيين. هذه العوامل تجعل من الصعب الحفاظ على الكفاءات وإيقاف الهجرة دون إصلاحات جوهرية.

المقارنات الدولية

الهجرة الصحية ليست ظاهرة محلية فقط. في ألمانيا، يُشكل الأطباء الأجانب حوالي 14% من القوى العاملة في القطاع الصحي، حيث بلغ عددهم نحو 64,000 طبيب عام 2023، مقابل 30,000 طبيب عام 2013. أما في كندا، فيشكل المهاجرون حوالي 25% من العاملين في القطاع الصحي، بما في ذلك 25% من الممرضين المسجلين و37% من الأطباء. هذه المقارنات تُظهر أن الهجرة قد تكون فرصة للدول المستقبلة لتعزيز نظامها الصحي، لكنها تشكل تهديدًا للبلدان المصدّرة للكفاءات مثل المغرب.

الاستنتاجات والتوصيات

تُظهر المقارنات الدولية أن الهجرة الصحية ليست بالضرورة ظاهرة سلبية، لكنها تكشف هشاشة النظم الداخلية إذا لم تُصاحبها سياسات جاذبة للمهنة. على المغرب التركيز على تحسين ظروف الممرضين، من خلال زيادة عدد المناصب المالية، تحسين الأجور، وتوفير بيئة عمل مناسبة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع المؤسسات الصحية الدولية لتبادل الخبرات والموارد.

الخلاصة: رهان الكفاءات أم استمرار الاستنزاف؟

المعضلة لا تختصر في أرقام الهجرة ولا في وعود التوظيف. بل في سؤال أكبر: هل تملك الدولة استراتيجية متكاملة تجعل مهنة التمريض جاذبة ومحمية، قادرة على استبقاء أبنائها داخل المستشفيات العمومية؟ من دون ذلك، سيظل المغرب يكوّن لحساب الآخرين، بينما يواصل مرضاه دفع ثمن الخصاص الحاد في الموارد البشرية.