أثارت المقالة الأخيرة التي نشرتها جريدة لوموند الفرنسية حول المغرب موجة من النقاشات، ليس فقط لِما تضمنته من معطيات مغلوطة، وإنما أيضًا لأنها جاءت في سياق يزداد فيه وضوح الخطاب العدائي لبعض المنابر الإعلامية الغربية تجاه المملكة. وقد عبّر الدكتور العيدودي في مقاله الموجه لـ المغرب الآن عن رفضه القاطع لهذه المحاولات الرامية إلى تشويه صورة المغرب، مسجلاً أن مثل هذه الهجمات الإعلامية لا تستطيع حجب حقيقة النهضة الاقتصادية والسياسية والتنموية التي يعرفها المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
ما كتبه الدكتور العيدودي
في نصه، يؤكد الدكتور العيدودي أن لوموند لم تكتفِ بسرد معلومات غير دقيقة، بل تجاوزت ذلك إلى صناعة صورة مشوهة تستند إلى انتقائية مفضوحة. فالمقال لم يُشر إلى الإصلاحات العميقة التي أطلقها المغرب منذ أكثر من عقدين، ولم يتوقف عند حجم الاستثمارات الكبرى في البنيات التحتية، ولا عند التحولات الجيوسياسية التي جعلت المغرب شريكًا استراتيجيًا في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
ويشدد العيدودي على أن قوة المغرب اليوم لا تأتي فقط من مؤسساته الدستورية الراسخة، بل من مشروع مجتمعي متكامل يقوده الملك محمد السادس، مشروع أعاد رسم أولويات الدولة، ووضع المواطن في قلب التنمية. وهو ما يجعل أي محاولة للنيل من المغرب تصطدم بجدار صلب من الحقائق الميدانية والإنجازات الملموسة.
كما يضيف أن “لوموند” في مقاربتها الأخيرة سقطت في فخ التعميم المخلّ، إذ أغفلت الدينامية الديمقراطية التي يعرفها المغرب، والتعددية الحزبية التي تميز المشهد السياسي، بل وتجاهلت دور المجتمع المدني والإعلام الوطني في مراكمة رصيد من الحرية والتعبير المسؤول.
تفكيك خطاب “لوموند”: قراءة تحليلية
من خلال إعادة قراءة المقال الفرنسي، يمكن تسجيل ملاحظات أساسية:
-
الانتقائية في المصادر: اعتمدت لوموند على شهادات محدودة ومنتقاة دون استحضار التوازن أو الرجوع إلى مؤسسات رسمية وفاعلين اقتصاديين مستقلين.
-
التركيز على السلبيات: تم تضخيم بعض التحديات الاجتماعية – وهي موجودة كما في أي بلد – لكن دون وضعها في إطارها الحقيقي المرتبط بظرفية دولية (جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية، تقلبات السوق الطاقية).
-
تجاهل الإنجازات: المقال تجاهل مشاريع ضخمة مثل ميناء طنجة المتوسطي، القطار فائق السرعة “البراق”، الاستثمارات في الطاقات المتجددة (نور ورزازات نموذجًا)، إضافة إلى الإصلاحات الاجتماعية (تعميم الحماية الاجتماعية، إصلاح التعليم والصحة).
-
الخلفية السياسية: القراءة المتأنية تكشف أن المقال ليس مجرد “وجهة نظر إعلامية”، بل يندرج في سياق شد الحبل بين فرنسا والمغرب، حيث تشهد العلاقات توترًا متزايدًا بفعل مواقف باريس الغامضة من قضية الصحراء المغربية.
المغرب: مشروع نهضة يقاوم التشويه
منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، انخرط المغرب في مسار تنموي شامل قوامه تحديث الدولة وإطلاق مشاريع استراتيجية. ولعل أبرز ملامح هذا التحول:
-
الاقتصاد:
-
ميناء طنجة المتوسطي الذي تحول إلى منصة لوجستية عالمية.
-
إدماج المغرب في سلاسل الإنتاج الدولية، خاصة في قطاع السيارات والطيران.
-
التحول نحو الطاقات النظيفة عبر مشاريع الطاقة الشمسية والريحية.
-
-
الاجتماع:
-
ورش تعميم التغطية الصحية الذي سيغير وجه الخدمات الاجتماعية.
-
برامج محاربة الهشاشة والفقر، وتوسيع شبكات الدعم المباشر للأسر.
-
-
السياسة والحقوق:
-
دستور 2011 الذي رسخ فصل السلط وأعطى دفعة قوية للحريات.
-
حيوية المجتمع المدني وتنامي دور الشباب والنساء في العمل العام.
-
-
الدبلوماسية:
-
عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وبناء شراكات استراتيجية مع دول القارة.
-
تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، بريطانيا، وإسبانيا، مقابل فتور في علاقته مع فرنسا.
-
حسم ملف الصحراء المغربية في مستويات عدة، باعترافات دولية متزايدة.
-
لماذا تستهدف بعض المنابر المغرب؟
الجواب بسيط ومعقد في آن واحد: المغرب يمثل نموذجًا صاعدًا في المنطقة، يحقق توازنًا بين الاستقرار والإصلاح، وينافس قوى إقليمية كانت ترى نفسها “الوحيدة في الساحة”. فرنسا – التي تعاني أزمة نفوذ في إفريقيا – تجد في المغرب خصمًا غير مباشر يكتسب شرعية ومصداقية على حسابها.
كما أن نجاح الدبلوماسية المغربية في حشد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء أربك خصوم الوحدة الترابية، وجعل الإعلام الموالي لهم يبحث عن “معارك جانبية” لتقويض صورة المملكة.
الإعلام المغربي والجاليات بالخارج: من الدفاع إلى الهجوم
واجب اللحظة لا يقتصر على الرد على لوموند أو غيرها، بل على تطوير استراتيجية إعلامية هجومية:
-
دعم المنصات الوطنية لتقديم رواية مغربية قوية.
-
تعبئة الجالية المغربية بالخارج كقوة ناعمة قادرة على التأثير داخل المجتمعات الأوروبية.
-
الاستثمار في اللغة العالمية (الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية) لتوسيع دائرة الخطاب.