يقول الناشط والكاتب الصحفي الأمازيغي ،جمال السوسي: ” أصبحت على مشارف 60 عاماً ولا زلتُ أتعرض كل يوم للتميّيز بسبب أنني أحمل اسم ( السوسي) أغلب معاملاتي الإدارية تتعطل ، أما شكاياتي لرفع الظلم عني في المحاكم والنيابة العامة تُقْبَرْ، إذا تقدمت بشكاية تختفي وإذا راسلت إدارة أو وزارة كان الله في عوني، تعبت ولزال لي آمل في يوم ما سأكون مثل الأخرين؟! .
الرباط – أصدر نشطاء أمازيغ، مذكرة ترافعيّة من أجل استئصال كل أشكال التّمييز ضد الأمازيغية بمشروع قانون المسطرة المدنية، أودعوها لدى رؤساء الفرق البرلمانية بالغرفة الأولى للبرلمان المغربي.
وأفادت المذكرة الترافعية، التي توصل موقع “المغرب الآن”، نسخة منها، تحمل توقيع لجنة المتابعة التي تلم المحامي والحقوقي الأمازيغي أحمد أرحموش، والناشط الأمازيغي أحمد عصيد، والباحث الأمازيغي الحسين أيت باحسين، التي تندرج في إطار المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، أن “الأمازيغية هوية، ولغة، وثقافة وحضارة مغربية قضية عريقة تاريخيا بالمغرب ، ولم يعد هناك أي تردد في كونها في حاجة إلى مزيد من الحماية التشريعية، وهي بحاجة إلى آليات مؤسساتية وإجراءات عملية ترد الاعتبار إليها، وتنهي عقود التهميش والإقصاء، بمنطق المصالحة الذي يعيد تشكيل الهوية واللغة والثقافة الوطنية بمجمل القرارات والسياسات العامة للدولة ، ومن ضمنها القرارات التشريعية ذات الصلة بمنظومة العدالة والمدرسة والإدارة والإعلام العمومي”.
واعتبرت المذكرة أن “الحركة الأمازيغية بالمغرب كانت وما تزال تشكل جزءا لا يتجزأ من الحركة المجتمعية، تناضل من أجل الكرامة والمواطنة، إلى جانب القوى الحية ببلادنا، وما فتئت تلعب دور الرافعة من أجل التغيير والتنمية الديمقراطية بشكل عام، وتسعى بناء الإطار القانوني والمؤسساتي بشكل خاص الذي سيفضي إلى جبر كل الانتهاكات التي كانت ولا زالت الهوية والحضارة الأمازيغية عرضة لها طيلة العقود الماضية”.
واستندت المذكرة الترافعية على كون “ترسيم الأمازيغية بكل مرافق الحياة العامة، بما فيها القضاء، كان أول مطالب الحراك الشعبي لسنة 2011، حيث توج باعتماد الدولة لمرجعيات قانونية جديدة تروم الحماية والنهوض بالأمازيغية، حيث تم رصد ما يعتمل ببعض مشاريع التشريعات الآنية يبدو أنه لم يستوعب بعد التحولات الجارية في موضوع الأمازيغية، وهو ما تم رصده عند تصفحنا لمشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية”.
واقترحت المذكرة الترافعية حزمة تعديلات ومراجعات من أجل إصلاح وتجاوز المعيقات التي تحول دون ضمان الحق في الولوج للقضاء ، والحق في محاكمة عادلة ، داعية إلى نسخ القانون رقم 3.64 ، علاوة على تعديل المواد 76 و 81و 85 و 90 و 91 و 109 و 112, و 126 و 127 و 146 و 149 و 334 و 367 و 368 و 376 و 454 و 630 و 632 من مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بقانون المسطرة المدنية”.
كما دعت الوثيقة ذاتها إلى “نسخ أحكام القانون رقم 3.64 بتاريخ 26 يناير 1965 المتعلق بتوحيد المحاكم ، لكونه لم يعد له أي اساس دستوري، استنادا للمرجعيات القانونية الوطنية والحقوقية اليت بنت عليه حيثات المذكرة الترافعية”.
ويذكر تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “عانت الثقافة الأمازيغية من التضييق والإنكار، ومحاولات الدمج بالمجموع القومي العربي المتشكل، ما يوازي التجربة الكردية في المشرق”.
ويقول رئيس لجنة التنسيق للشعوب الأصلية في أفريقيا، محمد حنداين : “حاول الرومان رومنة الشعب الأمازيغي، وحاول الفرنسيون فرنسة الشعب الأمازيغي، كذلك حاول القوميون العرب تعريب الشعب الأمازيغي أيديولوجيا، لكنه بقي هو شعبا استيعابيا، يستوعب كل الثقافات دون أن يفرط في هويته الأصلية”.
وتقول نائبة رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي، أماني الوشاحي،: “جاءت هذه الحركة الأمازيغية لإحياء الهوية الأمازيغية، لمحاربة التذويب داخل الهوية العربية، التي فُرِضت علينا جبرا”.
وتضيف “نناضل من أجل فرض أنفسنا، نناضل من أجل أن نقول لا، أنا موجود أنا لي هوية مميزة. أنا أمازيغي وهذا حقي. أنا لست عربيا'”.
وانتشر الأمازيغ على مساحة شاسعة تمتد من غرب مصر إلى جزر الكناري الإسبانية، ومن ساحل المتوسط الجنوبي إلى أعماق الصحراء الكبرى، في النيجر ومالي.
وفي غياب إحصائيات رسمية حول أعداد الأمازيغ اليوم، أصدرت لجنة التنسيق للشعوب الأصلية في أفريقيا تقديرات في تقرير خاص.
وأفاد التقرير “قد يصل عدد الأمازيغ في شمال أفريقيا إلى أكثر من 30 مليون نسمة، ويمثلون نسبة كبيرة من سكان الجزائر والمغرب وتونس”.
ويقول حنداين، إنه “بحسب الدراسات التي قامت بها الحركة الثقافية الأمازيغية والدراسات العلمية، فإن ما بين 60 إلى 65 في المئة من سكان المغرب ما زالوا يتحدثون الأمازيغية في مناطق متعددة، وبالنسبة للجزائر ما بين 20 إلى 30 في المئة، وفي تونس أقل من ذلك، نحو 10 في المئة، وفي لبيبا نفس الشيء”.
وتتشابه ملامح الأمازيغ مع تقاسيم عرب شمال أفريقيا، ويتكلمون لغة الضاد. وللوهلة الأولى، قد تظن أنهم عرب، ولكنهم يصرّون على تفرد هويتهم ولغتهم وعاداتهم، وحتى تقويمهم السنوي.
يقول حنداين إن تقويم الأمازيغ القديم “يبدأ من 930 قبل الميلاد، وهي مناسبة انتصار الملك شيشنق على الفراعنة، ويعتبرون هذا الانتصار بداية تاريخهم”.
وبعدها بنحو ستة قرون، ومع توسع الإمبراطورية الرومانية في شمال أفريقيا لُقّب الأمازيغ بـ “البربر”، وهو اسم أطلقته روما وقتها على الشعوب الأجنبية، التي لا تتحدث لغتها.
ويقول المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان في المغرب، إنغير بو بكر: “أنا أحتج على هذه الكلمة، باعتبار أن البربر هي ترجمة ركيكة وغير دقيقة، لـ’Berber’ من الفرنسية. هي ليست بربر، لأن بربر هو متوحش”.
ومن بعد الرومان، جاء العرب، وبحلول ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وصل المستعمر الفرنسي.
يقول رفعت الإمام إن “الاستعمار الفرنسي تحديدا، أسس لقاعدة ‘فرق تسد’، وحاول أن يخلق ازدواجية في شمال أفريقيا، ما بين المسلم العربي، والمسلم الأمازيغي، ولكن الأمازيغ انحازوا للوحدة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي”.
وأضاف “وبعد خروج الاستعمار الفرنسي بدأت الأنظمة الوطنية في شمال أفريقيا تفرض العروبة على الأمازيغ، ولا تعترف بهويتهم”.
وموجة الاستقلال التي اجتاحت شمال أفريقيا بحلول الخمسينيات ترافقت مع صعود للقومية العربية، ما انعكس سلبا على السكان الأمازيغ.
يضيف حنداين: “أثناء القومية العربية في الستينيات والسبعينيات، كان منظرو القومية العربية يحاولون (فرض) تعريب إيديولوجي عنيف في شمال أفريقيا، هو الذي نعارضه، يعني يريد أن يمحي الثقافة الأمازيغية، والطقوس الأمازيغية، ويعتبرها جاهلية”.
ومع اقتراب القرن العشرين من نهايته، ورغم تراجع المد القومي العروبي بقي ما وصفته تقارير حقوقية بالتضييق على الهوية الأمازيغية.
وفي رسالة إلى وزير الداخلية المغربي قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “إننا قلقون من التقارير التي ورد فيها استمرار السلطات في رفض قبول بعض الأسماء الأمازيغية التي يحاول الآباء إطلاقها على مواليدهم في مكاتب الحالة المدنية التابعة لوزارتكم، إن رفض السماح للناس باختيار أسماء أطفالهم انتهاك للحق في الخصوصية وحرية التعبير، وهما حقان تعهد المغرب بصيانتهما”.
ويرى ناشطون أن الأسماء الأمازيغية لم تكن وحدها الممنوعة، إذ يقول إنغير بو بكر: “عندما كنا نريد تقديم تصريح تأسيس جمعية كنا نعاني من المضايقات الإدارية”.
وأضاف أن “الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية في المغرب، كانت لا تستطيع أن تسمي نفسها بجمعية تامينيت إلى 1999 أو 2000”.
وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي لعام 2011 إلى أن المغرب يضم “آلاف الجمعيات المستقلة، لكن المسؤولين الحكوميين يعيقون بشكل تعسفي تقنين بعض المنظمات ما يقوض حريتها في العمل، وتشمل المجموعات المتضررة تلك التي تدافع عن حقوق الصحراويين والأمازيغ”.
واعترف دستور المغرب الجديد رسميا باللغة الأمازيغية بعدها بخمس سنوات، صدر قانون لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وتنص المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 16-26في المغرب على أنه “تعمل الدولة بجميع الوسائل المتاحة على تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة العامة، ذات الأولوية باعتبارها لغة رسمية للدولة، ويعد تعليم اللغة الأمازيغية حقا لجميع المغاربة بدون استثناء”.
ويقول بو بكر إن المرحلة الحالية في المغرب، “مرحلة الاعتراف التام، هي مرحلة مهمة، وأصبحت الحكومة إلى حد كبير تعترف بحقوق الأمازيغ، رغم أن هناك بعض التعثرات، وهناك بطء في مستوى مجموعة من الاتجاهات والقطاعات، ويجب العمل أكثر على تسريع الاعتراف الثقافي واللغوي، وإنصاف الأمازيغية لغة وثقافة وحضارة”.