“نصف مليار لمهرجان القنيطرة يضع وزارة الداخلية تحت مجهر المساءلة البرلمانية”

0
121

في شوارع القنيطرة وأحيائها الشعبية، يختلط صوت الدعوات إلى الاستمتاع بأجواء مهرجان المدينة، المقرر ما بين 23 و26 غشت، بأحاديث يومية عن العطالة وغياب الإنارة وتردي البنية التحتية.
الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام، حول بلوغ ميزانية المهرجان حوالي 500 مليون سنتيم من المال العام، لم يمر مرور الكرام، بل أشعل جدلاً سياسياً واجتماعياً وصل صداه إلى البرلمان.

النائب مصطفى إبراهيمي عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية وجه سؤالاً إلى وزير الداخلية حول معايير تمويل المهرجان وكيفية اختيار بعض الأسماء الفنية المشاركة، معتبراً أن تخصيص نصف مليار سنتيم لحدث ترفيهي في مدينة ما زالت تنتظر إصلاح طرقها وإنارتها وتشغيل شبابها، يطرح أكثر من علامة استفهام حول أولويات المجلس الجماعي وشركائه.

الشارع بين مؤيد ومعارض

في جولة ميدانية عبر بعض أحياء المدينة، بدا الجدل واضحاً في أحاديث المواطنين:

  • يقول الحاج العربي، ستيني من حي أولاد وجيه: “المدينة خاصها إصلاح الطرق والإنارة، هاد الشي أهم من الحفلات”.

  • أمينة، طالبة جامعية، ترى في المقابل أن المهرجان “مناسبة باش نفرحو ونحسو أن مدينتنا بحال المدن الكبرى”.

  • حسن، شاب عاطل، علّق قائلاً: “نصف مليار سنتيم كافي باش يدار مشروع يشغل مئات الشباب… واش ماشي هاد هو الأولوية؟”.

  • بينما يعتبر مراد، صاحب مقهى قرب ساحة الاستقبال، أن التظاهرة تخلق دينامية اقتصادية محلية: “هاد الأيام كنربح قد شهور كاملة، وهذا كيرجع بالنفع على التجار الصغار”.

الجدل حول البرمجة الفنية

النقطة الأكثر إثارة للجدل تمثلت في إدراج اسم مغني الراب المغربي “طوطو” ضمن سهرة يوم 24 غشت. فقد استعاد السؤال البرلماني الجدل الذي رافق مشاركته في مهرجان موازين، وما أثير آنذاك من انتقادات بشأن سلوكه وكلماته.

النقاش لم يقف عند حدود الكلفة، بل امتد إلى البرمجة الفنية، إذ يرى إبراهيمي أن تمويل المهرجان من المال العام يجعل من غير المقبول – حسب تعبيره – “إعطاء فرصة لفنان له سوابق مشابهة”، لما لذلك من أثر سلبي محتمل على فئة المراهقين والشباب.

وطالب النائب وزير الداخلية بتوضيحات حول الالتزامات التعاقدية والقانونية المفروضة على الفنانين، والجزاءات في حالة خرق الضوابط الأخلاقية والثقافية. وهو سؤال يعكس قلق شريحة واسعة من الأسر التي ترى أن مثل هذه التظاهرات يجب أن تُدار وفق معايير تراعي الخصوصية الثقافية للمدينة وتحفظ كرامة الساكنة.

ما بين التنمية والفرجة

المهرجان يطرح إشكالية أوسع تتعلق بكيفية ترتيب الأولويات التنموية في المدن المغربية:
هل الاستثمار في الثقافة والفنون مدخل مشروع لتنشيط الاقتصاد المحلي وجذب الزوار؟ أم أن الأولوية يجب أن تمنح للبنيات التحتية والخدمات الأساسية التي ينتظرها المواطنون يومياً؟

بين مؤيد يرى في المهرجان نافذة على الفرح والانفتاح، ومعارض يعتبره ترفاً في زمن العجز التنموي، تبقى الخلاصة أن القنيطرة تحتاج أكثر إلى نقاش عمومي صريح حول كيفية ترتيب أولوياتها: هل الاستثمار في الثقافة والفنون هو مدخل للتنمية وجذب الاستثمار؟ أم أن الأولوية يجب أن تُعطى للبنيات التحتية والخدمات الأساسية؟

توصية أساسية يمكن أن تخرج من هذا الجدل هي ضرورة إشراك الساكنة والمجتمع المدني في تحديد الأولويات والبرامج، حتى يشعر المواطن أن المال العام يُصرف بما يعكس حاجاته الحقيقية، لا بما يُملى من فوق.

الخلاصة

الجدل حول مهرجان القنيطرة يعكس تبايناً مشروعاً بين حاجات آنية للساكنة وتطلعات نحو إشعاع ثقافي وفني. وهو نقاش يمكن أن يتحول إلى فرصة لإرساء مقاربة تشاركية، تضمن أن تُصرف الموارد العمومية بما يستجيب لانتظارات السكان، ويحقق توازناً بين الاستثمار في البنية التحتية وتعزيز العرض الثقافي للمدينة.