الكاتب: أمين حلي
تتوفر اليوم الشغيلة البريدية على فرصة ذهبية من أجل الأخذ بزمام المبادرة وقطع كل قنوات الإمدادات على من امتهنوا العمل النقابي وأفرغوه من معناه السامي شبه المقدس، ممن عاثوا في الحقل النضالي فسادا، ممن ركبوا حصانه الأسود وتركوا الأبيض، مكبل الحوافر، وممن احترفوا الوصولية والإنتهازية وتغيير البنادق من كتف لكتف بكل سلاسة كما يفعل الأنذال دائما.
الكل يجمع اليوم أن الشغيلة البريدية قد تم الإجهاز على نضالاتها البطولية، وقد تنكر لها من ولتهم مقاليد الدفاع عنها والتحكم بدفة سفينتها؛ هذا إن لم نقل أنهم استثمروا في نضالاتها، فنالوا مقابل إقبارها بضع امتيازات وسلالم/ درجات معدودة بكل جرأة ووقاحة.
لكن الغريب في الأمر، وما يدفع حقا للتعجب كما التساؤل في آن واحد، هو لماذا لم نرى ولا ردة فعل وازنة واحدة وموحدة في مواجهة كل هذا العبث؟؟!! ولا ردة فعل واحدة تكون بالقوة اللازمة لإيقاظهم من سباتهم العميق/العقيم، ولدفعهم للخروج من جحورهم، ولما لا سحب البساط الذي يحملهم وأزلامهم إلى ما يصبون إليه دون جد أو جهد. لماذا لا نتكلم إلا انتقادا لكلامهم؟ لمذا يعم الصمت بصمتهم المطبق؟؟ ألا يمكن كسر هذه القاعدة اللعينة؟
لحدود كتابة هاته الأسطر، لم نرى ردود أفعال لا من المكاتب المحلية ولا الجهوية -اللهم المكتب المحلي كدش للمحمدية لكن اليد الواحدة لا تصفق طبعا- لا أصوات معارضة تصدع بالحق وتصطف بجانب الشغيلة البريدية من صلب المكاتب الوطنية من خلال إحداث حركات تصحيحية مثلا، يتم بموجبها ربط المسؤولية بالمحاسبة، جرد مكاسب الإضراب المفتوح على قلتها وكذا الانتكاسات والتراجعات التي منيت بها الشغيلة وما أكثرها، وبناء على ذلك محاسبة من تسببوا بطريقة مباشرة في هذا التراجع المذل، والهزيمة النكراء التي لم يستسغها ليومنا هذا جل البريديات والبريديين.
قد يقول من يخبر الشأن النقابي بالبريد ومن يعرف خباياه وعوالمه، قد يقول أن كل ما سلف ذكره يعتبر من سابع المستحيلات لأن هيمنة أشخاص معينين معدودين على رؤوس الأصابع هيمنة مطلقة، كما أنهم يتحكمون جيدا بخيوط اللعبة خاصة حينما يتعلق الأمر بالشأن الداخلي أو “كوزينتهم النقابية” إن صح التعبير؛ نقول بدورنا إن كان الأمر كذلك -وهو ما يتضح فعلا- فهناك عديد الآليات التي يمكن توظيفها من أجل الوصول للهدف المنشود ألا وهو التغيير، فالأمر متوقف فقط على الأغلبية الصامتة التي يمكنها أن تستعين بالفصل الثامن من دستور المملكة، وتتحلى بالشجاعة نفسها التي يتحلى بها من يتلاعبون بمصيرنا وأرزاقنا دونما خجل، بل وبكل وقاحة.
اليوم وأكثر من أي وقت مضى، يجب على الأغلبية الصامتة وكل القوى الحية وبريئي الذمم من البريديات والبريديين تفعيل الحق الدستوري المتمثل في الفصل الثامن، ومنه تأسيس نقابة وطنية مستقلة للبريد يترجمون فيها طموحاتهم، يحققون من خلالها آفاقهم المستقبلية بأنفسهم، ويترافعون على قضاياهم العادلة ومطالبهم المشروعة بكل شجاعة وشرف وعز وكرامة ومسؤولية، نقابة وطنية مستقلة لا وصاية عليها سوى وصاية القواعد، مبنية على أسس متينة من ديمقراطية داخلية تؤمن بالكفاءات الشابة، وتعتمد مقاربة تشاركية في أخذ القرارات ذات الصلة بمصير الشغيلة، في ظل جو تسوده الشفافية والوضوح والنزاهة؛ نقابة مستقلة تتبناها كل بريدية وكل بريدي ممن هم/هن تواقين وحالمين بغد أفضل، غد أفضل للمؤسسة التي تعتبر بيتنا ومورد رزقنا ومنه غد مشرق لنا جميعا كشغيلة بريدية.
إن الاقتصار على التدوينات والتباكي في وسائل التواصل الاجتماعي، لن يجدي نفعا. فعوض الاقتصار على التذمر فلنحيي الهمم فيما بيننا، ونشد أزر بعضنا البعض، ونتوحد على كلمة واحدة كما توحدنا كقواعد في معركتنا البطولية الأخيرة، ونوقد سويا شمعة التغيير التي ستصير شعلة موقدة نلعن بها الظلام الدامس الجاثم على وضعنا اليوم.
هي دعوة واضحة وصريحة لكل الشرفاء، لكل الأخيار، لكل من يتوق ويسعى للتغيير، وما أكثرهم في صفوف البريديات والبريديين، بل يمكن اعتبارهم الأغلبية الصامتة التي يهاب كل المتخادلين والوصوليين، نطقها ولو ببنت شفاه يوما، فما بالك أن تصدع بالحق، تجهر بكل شجاعة بصوت التغيير والثباث على الموقف الداعي له ووضع قطيعة مع كل رموز الذل والعار المتسيدين للمشهد الراهن للأسف.
هي فرصتنا جميعا لنقول كفى، كفى عبثا، كفى تلاعبا بمصيرنا المهني وكفى من ذر الرماد بالعيون، هي فرصتنا جميعا لنكون أو لا نكون.
(*) عضو المكتب الوطني لاتحاد النقابات المستقلة بالمغرب وأمين ماليته، ممثل قطاع البريد.