في طريقة جديدة للاحتجاج، قرر أكثر من 70 شاب مغربي،من مدينة الفنيدق الساحلية في المغرب تنظيم هجرة جماعية إلى مدينة سبة (المحتلة)، أمس الأحد.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات التقطتها مشاهد الهجرة الجماعية لشباب الفنيدق خلال نهاية الأسبوع لحظات انطلاق العشرات من خيرة الشباب المغاربة من الشاطئ، وسط الأمواج، والبرد من أجل الهجرة لمدينة سبتة المحتلة، بحثا عن ظروف عيش كريمة.
وتظهر أظهرت مقاطع فيديو أن أكثر من أربعين شاباً، تمكنوا من الوصول إلى شاطئ “تراخال” بمدينة سبة المحتلة في موجة هجرة جماعية غير اعتيادية، فيما تدخلت السلطات بمدينة سبتة لانتشالهم من وسط البحر، في حين تمكن آخرون من الوصول بأنفسهم إلى غاية اليابسة.
يشار إلى أنه في الآونة الأخيرة تعددت الطرق التي يسلكها المغاربة من أجل الهجرة، فقد وصل بعضهم إلى إسبانيا سباحة، فيما يبقى ركوب القوارب الوسيلة المفضلة للكثيرين من أجل الوصول إلى إسبانيا.
تأتي عملية الهجرة الجماعية التي أقدم عليها شباب الفنيدق، بسبب الظروف السيئة التي تعيشها مدن الشاما وخاصة “الفنيدق” أحد أسوأ أيامها اقتصاديا واجتماعيا، بعدما أغلق المعبر الحدودي الذي يعد الشريان الاقتصادي والعمود الفقري للمدينة، وهو الواقع الذي زاد تأزم حياة حوالي 3500 امرأة تحمل السلع الإسبانية في أكياس ضخمة فوق ظهورهن ويمتهن ما يسمى “التهريب المعيشي” إضافة إلى 200 طفل قاصر في معبر سبتة، حسب تقرير كان قد أصدره البرلمان المغربي، قبل أن توقف السلطات المغربية التهريب في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وتغلق المعبر الحدودي بعدها في مارس/آذار 2020. مع تفشي جائحة كورونا وما خلفته من انعكاسات سلبية، وتدابير احترازية أسهمت في تفاقم الأوضاع، خاصة بعد قرار الإغلاق الليلي في رمضان.
وقد بلغ عدد الشباب الذين فروا من هذا الواقع خلال اليومين الماضيين حوالي 100 شخص، حسب مصادر محلية، لقي ثلاثة منهم، على الأقل، مصرهم غرقا في عرض البحر، في محاولة هجرة جرت أمام الأنظار.
ومنذ قرار السلطات المغربية، في ديسمبر/كانون الأول 2019، الإغلاق النهائي لمعبر باب سبتة (المدينة الخاضعة للإدارة الإسبانية) أمام تجار السلع المهربة، تضررت مدينة الفنيدق بشكل كبير، وطاولت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية جل الفئات المجتمعية فيها، ما دفع شخصيات عمومية في المنطقة إلى توقيع نداء وجهته إلى الحكومة المغربية، من أجل إنقاذ المدينة من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها إغلاق معبر مدينة سبتة المحتلة والتداعيات الناتجة عن جائحة فيروس كورونا.
ويمتهن مئات المغاربة تهريب السلع من مدينتي “سبتة” و”مليلية” الخاضعتين للإدارة الإسبانية إلى باقي المدن داخل المغرب؛ حيث يعملون على حمل أكياس ضخمة مُحملة بالبضائع الإسبانية فوق ظهورهم لإدخالها إلى الأراضي المغربية وبيعها.
رغم إن سكان المدينة قدموا، من خلال نداءات، مطالب وحلولاً منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، منها ما هو آني كبرنامج استعجالي مع مجلس جهة طنجة تطوان والتسريع بإنجاز المنطقة الاقتصادية بالمدينة، ومنها ما هو على المدى المتوسط كربط مدينة الفنيدق بمشروع الميناء المتوسطي وغيرها من المطالب المشروعة والعقلانية.
ولم تغير الاحتجاجات التي نظمتها الساكنة من واقع الأمر شيئا، في الوقت الذي يؤكد فيه محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان وجود احتقان كبير لدى الشباب وعموم المواطنين بالمدينة، وهو ما تعكسه بجلاء مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال حسابات وصفحات المنطقة، التي تظهر اليأس وفقدان الأمل من مبادرات الحكومة.
وكان تقرير البرلمان قد أقر بأن المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي في معبر سبتة يعشن وضعا مأساويا، وينمن ليومين وأكثر في العراء، لكنهن اليوم بدون عمل وبدون مدخول، ومعهن تجار ومرافق كانت تدور في فلك التهريب.
شهدت مدينة الفنيدق شمال المغرب لمدة 3 أسابيع متتالية مظاهرات احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية التي تسبب فيها توقف الأنشطة التجارية المرتبطة بما يعرف بـ”التهريب المعيشي” على مستوى المعبر الحدودي لمدينة سبتة المحتلة.
وكرس التهريب المعيشي خلال العقود الأربعة السابقة أشكالا مختلفة من المعاناة، وكلف الاقتصاد الوطني خسائر مهمة قدرها مسؤولون مغاربة بـ7 مليارات درهم سنويا (الدولار يساوي 8.8 دراهم مغربية تقريبا) بالنسبة لمعبر باب سبتة لوحدها.
ويرى المستشار الاقتصادي عادل خالص أن إغلاق معبري سبتة ومليلية أدى إلى ركود اقتصادي في المدن المجاورة التي كانت تستفيد بشكل كبير من الدينامية الاقتصادية التي تحدثها عمليات التهريب المعيشي رغم سلبياته الكثيرة.
وتأثر سوق العمل المغربي من تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، التي كان لها انعكاس مباشر على جميع القطاعات، وحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط فإن المغرب فقد 589 ألف وظيفة عمل، وذلك ما بين الفصل الثاني من سنة 2019 والفترة نفسها من سنة 2020.
النائب البرلماني محسن مفيدي، يربط بين فقدان فرص العمل في القطاع المنظم وغير المنظم، وبين الإقبال الكبير على الهجرة غير القانونية عبر مختلف الوسائل، مؤكداً أن “الهجرة غير القانونية عادت بقوة وبأساليب جديدة خلال هذه الجائحة التي أدت لفقدان العديد من العاملين في القطاعات غير المهيكلة لعملهم”.
كما يرى مفيدي في حديثه مع وسائل إعلام أجنبية، أن “الحل الوحيد لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة هو تعزيز التنمية، وإيجاد فرص العمل وفتح حوارات حقيقية مع الشباب المغربي، أما المقاربة الأمنية وحدها فليست هي الوسيلة الأنجع لمحاصرة الظاهرة”.
وبحسب مفيدي، فإن “الأمر لا يقتصر على وجود شباب حالمين بالهجرة من أجل تغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، بل هناك شبكات منظمة تجني أموالاً طائلة من هذا النشاط، ما يستدعي مزيداً من تشديد الإجراءات الأمنية ضد شبكات التهريب والاتجار في البشر”.