هل أصبح التخييم امتيازًا؟ تراجع المستفيدين يكشف خللاً في السياسة الاجتماعية للشباب

0
247
الصورة : موقع العدالة والتنمية

في وقت تُشدد فيه الدولة على خطاب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، خاصة لفائدة فئات الطفولة والشباب، جاءت المعطيات التي فجّرتها المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” بشأن تراجع عدد المستفيدين من البرنامج الوطني للتخييم، لتثير علامات استفهام مقلقة حول حقيقة السياسة العمومية في هذا المجال.

❖ تراجع مهول… أرقام تدق ناقوس الخطر

حسب ما ورد في السؤال البرلماني، فإن نسبة التراجع بلغت ما يقارب 70% مقارنة بالمواسم السابقة، وهو تراجع لافت يُسجَّل لأول مرة بهذا الشكل، ويشمل غالبية الجمعيات النشيطة في الميدان، خصوصًا داخل المخيمات القارة التي لطالما شكلت النواة الأساسية للبرنامج الوطني للتخييم.

هذا الرقم، في حد ذاته، ليس مجرد إحصاء عابر. بل هو مؤشر على أزمة هيكلية تعاني منها منظومة التخييم العمومي، التي بدأت تفقد تدريجياً جوهرها كمجال للتنشئة التربوية والاجتماعية، لتتحول – حسب بعض المتابعين – إلى برنامج فارغ المحتوى ومحدود الولوج.

❖ خوصصة ناعمة؟ تدبير مراكز الشباب يخرج من يد الدولة

المثير للانتباه في مضامين السؤال البرلماني هو الحديث عن تفويت تدبير عدد من مؤسسات وفضاءات الشباب (كمراكز الاصطياف والاستقبال والتخييم) لفائدة جهات استثمارية ذات طابع ربحي.
وهو ما يطرح بحدة إشكالية توجّه الدولة نحو تحويل المرافق الاجتماعية العمومية إلى أدوات ربحية، في وقتٍ يفترض فيه أن تكون هذه الفضاءات سندًا لطبقات واسعة من الأطفال المنحدرين من أوساط هشة.

هل نحن أمام خوصصة ناعمة لفضاءات الطفولة؟ ومن هي هذه الجهات التي استفادت من التدبير؟ وما المعايير التي تم اعتمادها لتمكينها من ذلك؟

❖ أزمة ثقة في البرنامج أم استراتيجية إقصاء؟

السؤال المشروع اليوم هو: هل تراجع الإقبال على البرنامج الوطني للتخييم سببه اختلال في بنيته التنظيمية؟ أم أن هناك استراتيجية غير معلنة لإعادة توجيه الدعم والاستفادة نحو شبكات محددة؟

في كلتا الحالتين، يبقى الطفل المغربي الخاسر الأكبر، إذ بات مهددًا بالإقصاء من حقه الطبيعي في التخييم، كفضاء لبناء شخصيته وتنمية حسه المدني، في مقابل تعزيز مشاريع النخبة.

❖ تضارب بين خطاب الدولة وممارسات الوزارة

الوزارة الوصية، في أكثر من مناسبة، تحدثت عن “مخططات لتحديث التخييم”، وعن “مراكز من الجيل الجديد”. لكن الواقع الميداني لا يعكس سوى تقلص فضاءات الاستقبال، غياب العدالة في التوزيع، واحتكار ممنهج من طرف بعض الجمعيات المحظوظة أو ذات القرب السياسي.

أين اختفت الوعود بتوسيع العرض التربوي؟ وأين هو مبدأ الإنصاف في استفادة جمعيات المجتمع المدني من فرص التأطير؟

❖ أي مستقبل لبرامج الطفولة في مغرب ما بعد “الدولة الاجتماعية”؟

هذا التراجع الكبير يضرب في العمق أحد رموز الدولة الاجتماعية التي تبنّتها الحكومة في خطابها السياسي، ويطرح تساؤلات عن مآل باقي البرامج التربوية التي تخدم الشباب والطفولة.

هل نحن أمام تفكيك بطيء لمقومات التربية غير النظامية في المغرب؟ وهل سيتم تعويض المخيمات بـ”أنشطة موجهة” ذات طابع تجاري أو استعراضي كما هو حاصل في مهرجانات الصيف؟

في الختام… من يُخيّم ومن يُقصى؟

يبقى السؤال مفتوحًا: هل بات التخييم امتيازًا لطبقة دون أخرى؟ وهل تتحول فضاءات التنشئة الاجتماعية إلى أدوات للتمييز بدل الإدماج؟ ثم، هل ما تزال الوزارة تعتبر الطفولة أولوية فعلية أم أنها مجرد شعار يُعاد تداوله موسميًا؟

الواقع أن ما يجري اليوم في ملف التخييم ليس سوى مرآة لخلل أوسع في رؤية الدولة لسياسات الشباب والهامش الاجتماعي. وما لم يتم تدارك الوضع بخطة واضحة وتدبير عادل، فإننا نخاطر بخسارة واحدة من أهم قلاع التأطير التربوي في المغرب الحديث.