أظهرت إحصائيات حديثة من “Campus France” أن المغرب يتصدر قائمة الدول المصدرة للطلاب إلى فرنسا لعام 2023، حيث بلغ عدد الطلاب المغاربة المسجلين في مؤسسات التعليم العالي الفرنسية 45,162 طالباً. على الرغم من أن هذه الأرقام تعكس عمق العلاقات الأكاديمية بين البلدين، إلا أنها تسلط الضوء على مسألة أعمق وأكثر إشكالية: هجرة العقول والكفاءات.
خلفية التقرير:
أصبحت فرنسا وجهة رئيسية للطلاب المغاربة الباحثين عن تعليم عالٍ ذي جودة، إذ استقبلت حوالي 403,000 طالب أجنبي في العام الدراسي 2022/2023، جاء المغرب في الصدارة بفارق كبير عن الجزائر التي تلتها بـ 32,147 طالباً. وبينما يشيد البعض بهذه الأرقام كدليل على جودة التعليم في المغرب وقدرة طلابه على المنافسة في أرقى الجامعات، يتساءل آخرون عن مدى تأثير هذه الهجرة على التنمية الوطنية في المغرب.
بين الفخر والقلق:
هناك من يرى في تصدر المغرب لهذه القوائم مدعاة للفخر الوطني. فقد أشار إسماعيل سعدون، الأستاذ بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إلى أن نجاح الطلاب المغاربة في ولوج مؤسسات التعليم العالي الأجنبية يعكس تفوقهم وقدراتهم المعرفية العالية. وأضاف أن هذا الإنجاز يمكن أن يُعتبر مؤشراً على تطور التعليم الجامعي في المغرب، الذي بدأ يضاهي نظيره في الدول المتقدمة.
لكن، هل يمكننا الاحتفال بهذه الأرقام دون النظر إلى التكلفة؟ عبد الحق غريب، أستاذ العلوم بجامعة شعيب الدكالي، يرى أن هذا النجاح ما هو إلا وجه آخر لمأساة كبرى. إذ أن هجرة 41 طالباً مغربياً من المتفوقين للالتحاق بمدرسة البوليتكنيك الفرنسية تُعتبر خسارة كبيرة للمغرب، الذي يفقد بذلك نخبة من أبنائه الأكفاء لصالح بلد آخر.
دور التعليم المغربي في “صناعة” الكفاءات:
السؤال المطروح هنا: هل يستفيد المغرب فعلاً من جودة التعليم الذي يقدمه لطلابه، أم أن السياسات التعليمية المتبعة تُسهم في تغذية اقتصاديات الدول المتقدمة بالكفاءات؟ تُظهر الإحصائيات أن المغرب يُعاني من هجرة عقول متزايدة، حيث يغادر أكثر من 600 مهندس مغربي البلاد سنوياً للعمل في الخارج، بينما تهاجر آلاف الكفاءات الأخرى بحثاً عن فرص عمل وظروف معيشية أفضل.
فرنسا والجامعات المغربية:
فرنسا لم تكن لتتمكن من استقطاب هذه الأعداد الكبيرة من الطلاب المغاربة لولا الإهمال الذي يعاني منه النظام التعليمي المغربي. يعاني التعليم في المغرب من مشكلات هيكلية متجذرة، تشمل غياب رؤية واضحة وسياسات تعليمية تستجيب لاحتياجات سوق العمل الوطني. ونتيجة لذلك، يتوجه الطلاب المغاربة إلى الخارج بحثاً عن تعليم يلبي طموحاتهم ويمنحهم فرصاً أفضل.
على الرغم من وجود مؤسسات تعليمية مغربية ذات مستوى عالٍ مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إلا أن عددًا كبيرًا من الطلاب المغاربة يفضلون الهجرة، متذرعين بعدم وجود بيئة محفزة تدعمهم بعد التخرج. وهنا يكمن السؤال: هل يمكن للمغرب استعادة كفاءاته؟ وهل توجد سياسات فعالة لوقف هذا النزيف البشري؟
التعليم: أداة لتكريس التبعية أم أمل في النهضة؟
من الواضح أن التعليم في المغرب بحاجة إلى مراجعة شاملة. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتطوير القطاع التعليمي، إلا أن النتائج الحالية تشير إلى فشل في تحقيق أهداف التنمية. إن التعليم الذي لا يوفر فرص عمل ولا يلبي احتياجات السوق المحلي يُعتبر أداة لتكريس التبعية لدول أخرى، بدلاً من أن يكون أداة للتنمية الوطنية.
يجب على المغرب أن يُعيد التفكير في سياساته التعليمية ويضع خطة وطنية تهدف إلى تطوير الكفاءات البشرية بما يتماشى مع احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية. فالهجرة الجماعية للعقول المغربية، وإن كانت تفيد الدول المضيفة، إلا أنها تُضعف من قدرات المغرب على تحقيق نهضة شاملة.
خاتمة:
الهجرة الكبيرة للعقول المغربية إلى فرنسا تطرح أسئلة حاسمة حول جدوى النظام التعليمي في المغرب وقدرته على تحقيق التنمية. فهل سيظل المغرب مجرد “مصنع للكفاءات” لدول أخرى؟ أم أن الوقت قد حان لتطوير سياسات تعليمية تعزز من استثمار هذه الكفاءات داخل الوطن، بما يساهم في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا للمغرب؟