هل أصبح الصمت عقيدة حكومية؟ قراءة في استقالة التواصل الرسمي وسط أسئلة مُلحة وأزمات رقمية

0
152

في مشهد يتكرر كل أسبوع تقريبًا، تواصل حكومة عزيز أخنوش تجاهل أسئلة الرأي العام والصحافة، مستعيضة عنها بتكرار سرد إنجازات شكلية، غالبًا ما تكون أرقامًا معزولة عن الواقع الاجتماعي والسياسي للبلاد. منذ تنصيبها في أكتوبر 2021، اختارت هذه الحكومة ما يمكن تسميته بـ”التدبير عبر الصمت”، حيث تُغيب التفاعل المؤسساتي الواجب تجاه قضايا رأي عام ملحة، وتكتفي بإعادة تدوير خطاب الإنجاز.

آخر تجليات هذا التوجه برز في الندوة الصحافية التي أعقبت المجلس الحكومي، والتي رفض فيها الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، التعليق على مواضيع حساسة تتعلق بإعفاء واليي مراكش وفاس، إضافة إلى توالي الهجمات السيبرانية الخطيرة التي استهدفت قواعد بيانات استراتيجية، دون أي توضيح رسمي.

هل الصمت دليل عجز؟ أم تكتيك لتفادي الاعتراف بالخلل؟

إن امتناع الناطق الرسمي عن التفاعل مع أسئلة تتعلق بقرارات إعفاء مسؤولين ترابيين رفيعي المستوى، وسط تكهنات غير رسمية، يطرح سؤالًا جوهريًا:
هل نحن أمام سياسة مؤسساتية واعية تُقصي الشفافية عمداً؟ أم أمام ارتباك حكومي في مواجهة وضعية تتجاوز قدراتها التواصلية والسياسية؟

في ظل انتشار جماعة “جبروت” للهاكرز وتسريباتها لمعلومات حساسة تمس مؤسسات استراتيجية مثل صندوق الضمان الاجتماعي والوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، فإن غياب رد رسمي أو حتى تطمين للرأي العام يضعف منسوب الثقة بين الدولة ومواطنيها، ويثير تساؤلات مشروعة حول مدى استعداد الحكومة لمواجهة تحديات الأمن الرقمي.

أين الحس الحقوقي؟ وأين المغرب في خارطة الحريات؟

من اللافت كذلك تجاهل الوزير بايتاس لأسئلة تتعلق بغياب النفس الحقوقي في السياسات الحكومية، ما يسلط الضوء على تصدع خطير في العلاقة بين السلطة التنفيذية والنخب الحقوقية والمجتمع المدني. هذا التجاهل لا يمكن فصله عن تراجع مؤشرات حرية التعبير في تقارير دولية مثل تقارير “فريدوم هاوس” و”مراسلون بلا حدود”، والتي دقت ناقوس الخطر بشأن انكماش المجال العمومي في المغرب.

موقف غائب في لحظة إقليمية حرجة

وفي سابقة مثيرة، رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة لمرتين متتاليتين الرد على سؤال يتعلق بموقف المغرب من استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لسفيره لدى فلسطين، في حادث دبلوماسي غير مسبوق، كان يُنتظر أن تُحسم فيه المواقف الرسمية بوضوح. غياب هذا الرد لا يعكس فقط أزمة تواصل، بل أيضًا خللًا في منطق الدبلوماسية الواضحة في لحظة إقليمية تتطلب وضوحًا استراتيجيًا.

السياق المغربي والدولي: هل يُقبل بهذا الصمت في زمن الانفجار المعلوماتي؟

في عالم تسير فيه الديمقراطيات نحو تكريس الشفافية كآلية للحكامة، يصبح صمت حكومة أخنوش استثناء مثيرًا للقلق. فالدول التي تخوض تحديات مماثلة، من الهجمات السيبرانية إلى الأزمات السياسية، لا تجد حرجًا في تقديم رواياتها الرسمية وطمأنة شعوبها، لأن الصمت هنا ليس فقط ضعفًا في التواصل، بل أيضًا فقدان لزمام المبادرة.

ختامًا: هل نحتاج إلى إعادة تعريف وظيفة الناطق الرسمي؟

الناطق الرسمي باسم الحكومة ليس مجرد موظف إعلامي، بل هو واجهة السلطة التنفيذية أمام المجتمع. وإذا أصبح هذا الموقع أداة لصناعة الغموض بدل التوضيح، فإن سؤالًا عميقًا يطرح نفسه: هل ما زالت الحكومة تؤمن بجدوى الحوار مع المجتمع؟ أم أنها اختارت الانغلاق كخيار سياسي حتى نهاية ولايتها؟

أسئلة تزداد إلحاحًا في ظل شح الأجوبة.

بايتاس ينفي… لكن الجدل يستعر: هل تخشى الحكومة فحص المحكمة الدستورية لقانون المسطرة الجنائية؟