هل أصبح الفساد دستوراً موازياً؟ قراءة في تغريدة محمد الغلوسي حول انتخابات 2021 ومحاولة خنق معركة تخليق الحياة العامة

0
327

في تذكير لا يخلو من مرارة وسخرية سياسية سوداء، أعاد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عبر صفحته على “فايسبوك”، نشر خلاصة حملة خاضتها الجمعية قبل انتخابات 8 شتنبر 2021، حين كانت البلاد على أعتاب استحقاق انتخابي بالغ الأهمية.

كانت تلك الحملة تحذر من ترشيح أشخاص تحوم حولهم شبهات فساد خطيرة: من الاتجار في المخدرات وتبييض الأموال، إلى تبديد المال العام والرشوة، وصولاً إلى التزوير وإصدار شيكات بدون رصيد.

لكن التحذير لم يلق آذانًا صاغية. فمطالب الجمعية، التي وصلت حد مراسلة وزارة الداخلية بعدم قبول ترشيحات ذوي “الذمم المتسخة”، قوبلت بالصمت، بينما جرى حفظ الشكاية الموجهة لرئاسة النيابة العامة بشأن الاستعمال الواسع للمال في الحملة الانتخابية دون استدعاء أي طرف، رغم التصريحات العلنية من قيادات حزبية تشير إلى رائحة المال السياسي.

من الشارع إلى البرلمان.. كيف نجح المال الفاسد في شراء المشهد السياسي؟

أنتجت انتخابات 2021 – بحسب الغلوسي – مشهدًا سياسياً يضع المال في موقع الحَكم واللاعب معاً. مشهد أفرز حكومة وجماعات ترابية ومؤسسات تمثيلية يرى فيها الغلوسي تكريساً لـ”زواج السلطة بالثروة”، وانعطافاً عن روح 20 فبراير ومطالب الكرامة والعدالة الاجتماعية.

ويطرح هذا السياق تساؤلات كبرى:

  • هل نحن بصدد شرعنة سياسية للفساد؟

  • كيف تحولت المؤسسات المنتخبة إلى أدوات في خدمة من يرون في الإصلاح المؤسسي “عبئاً” لا ضرورة؟

  • لماذا يتم تجفيف منابع النزاهة بدل تجفيف منابع الفساد؟

من “سير دخل سوق راسك” إلى “لي معجبوش الحال يخوي البلاد”

لا يخفي الغلوسي سخريته مما أسماه بـ”التحول في الخطاب الرسمي”، حين يذكّر بتصريحات برلمانية مثل “سيرو دخلوا سوق راسكم” و”لي ماعجبوش الحال يخوي البلاد”، معتبراً أن هذه المقولات تجسد لغة منتشية بانتصار منطق الإفلات من العقاب، وعودة الفساد إلى المشهد بدون أقنعة.

أما محاولة إقبار الفصل 36 من الدستور، وتهريب مقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، فهي – في رأيه – لا تعني سوى إفراغ الوثيقة الدستورية من مضامينها الأخلاقية، وتحويل مؤسسات مثل البرلمان إلى غطاء لتقنين الفساد، كما تجلى في تمرير المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، اللتين تمثلان “فضيحة تشريعية” على حد وصفه.

هل تستطيع الصحافة والمجتمع المدني إنقاذ ما تبقى من المعركة ضد الفساد؟

في ظل هذا الواقع، تصبح الحاجة إلى صحافة تحليلية نقدية أكثر إلحاحاً، لا تكتفي بنقل الوقائع، بل تحفر في السياقات وتفضح منظومات الريع. كما أن دور الجمعيات المستقلة مثل الجمعية المغربية لحماية المال العام، أصبح أكثر مركزية من أي وقت مضى، ليس فقط في تقديم شكاوى بل في إبقاء ذاكرة الفساد حيّة، وكشف كيف يتم تقليم أظافر الدستور بمشرع التشريع.

في الختام، لا يبدو أن الغلوسي يكتب تدوينته من باب التباكي أو النقد الرومانسي. بل يطلق نداءً سياسياً وأخلاقياً لاستعادة المعركة التي يحاول البعض اختصارها في بلاغات حكومية أو أرقام انتخابية. معركة تخليق الحياة العامة، التي لم تنتهِ، بل تم تعليقها بانتظار جيل لا يخاف أن يسائل، ويقترح، ويقاوم.