في خطوة وُصفت بالجريئة من طرف البعض، والمثيرة للجدل من طرف آخر، أقدمت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على إدراج فنون الرقص الحضري مثل البريك دانس والهيب هوب ضمن أنشطة الحياة المدرسية، في إطار برنامج “الرياضة للجميع” بشراكة مع الجامعة الملكية المغربية للرياضات الحضرية.
لكن خلف هذه المبادرة البيداغوجية، طفت على السطح أسئلة وهواجس، تتجاوز الجانب الرياضي والفني، لتلامس تصورات المجتمع حول القيم والتنشئة والهوية.
سؤال أول: لماذا كل هذا الجدل؟ الاحتجاجات لم تصدر فقط عن أولياء أمور، بل جاءت أيضاً من صفحات تدّعي الحرص على الأخلاق العامة وتحذر من “التغريب والانحلال”، فيما تطرح جهات أخرى تساؤلات مشروعة: هل هذه الفنون فعلاً مناسبة لفضاء تربوي؟ وما هو الهدف الحقيقي من إدراجها؟ هل يتعلق الأمر بإدماج الشباب ثقافياً، أم مجرد محاولة لاستنساخ نماذج غربية لا تراعي خصوصية المجتمع المغربي؟
سؤال ثانٍ: هل نحن أمام صراع بين الأجيال أم أزمة ثقة في الدولة؟ الانقسام المجتمعي الحاصل حول هذه المبادرة لا يمكن قراءته فقط من زاوية دينية أو أخلاقية، بل يعكس أيضاً فجوة في الثقة بين المؤسسات والمجتمع، ويعيد إلى السطح سؤالاً مركزياً: من يقرر مضمون التربية الفنية؟ الدولة أم الأسر؟ أم الفاعلون الثقافيون؟
سؤال ثالث: أين المدرسة من التنشئة الثقافية؟ الملاحظ أن المدرسة المغربية، لعقود، ظلت سجينة منظومة تعليمية تُغرق التلاميذ في الحفظ والتلقين، مع تهميش للفنون والمسرح والرياضة والإبداع. فهل يشكّل هذا التوجه الجديد مدخلاً لإنصاف الفنون المهملة؟ أم أنه مجرد قرار عشوائي لم تسبقه مشاورات عمومية ولا دراسات تربوية معمقة؟
سؤال رابع: ما البدائل المقترحة؟ الرافضون للمبادرة لم يقدموا – في الغالب – بدائل واضحة، بل اكتفوا بإدانة “المضمون الغربي”. بينما يطرح مختصون في علم الاجتماع الثقافي فكرة مقاربة تشاركية في إعداد مضامين الحياة المدرسية، تراعي الهوية الوطنية وتفتح المجال في الآن ذاته للتعبير الفني والتنوع الثقافي، ضمن إطار قيمي متوازن.
خلاصة تحليلية: الجدل الدائر حول البريك دانس في المدارس لا يمكن اختزاله في صراع بين أخلاقي وغربي، أو بين محافظ وتقدمي، بل هو مرآة تعكس عمق الأزمة القيمية والتربوية التي يمر بها المجتمع المغربي. ولعل المطلوب اليوم ليس فقط توضيح خلفيات القرار، بل فتح نقاش عمومي جريء حول وظيفة التربية الفنية في المدرسة، وحول المشروع المجتمعي الذي نريده لأبنائنا.
أسئلة مفتوحة:
-
هل يمكن إعادة التفكير في التربية الفنية كجسر لبناء قيم المواطنة والعيش المشترك؟
-
وما السبيل إلى التوفيق بين الانفتاح الثقافي وصيانة المرجعية الوطنية؟