هل تتحول وجدة إلى نموذج للعدالة البيئية؟ مشروع سيدي معافة بين طموح التنمية المستدامة وسؤال الحكامة الترابية

0
222

في خطوة تحمل دلالات سياسية واستراتيجية، وقّعت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، يوم الخميس 29 ماي 2025 بمدينة وجدة، اتفاقية شراكة لإنجاز مشروع تأهيل الغابة الحضرية سيدي معافة، بتحالف متعدد الأطراف يشمل وزارات ومؤسسات ترابية، في مقدمتها وزارة الداخلية ووكالة المياه والغابات ومجلس جهة الشرق.

لكن ما الذي يجعل هذا المشروع أكثر من مجرد عملية تهيئة بيئية؟ وهل نحن أمام مقاربة جديدة لتكريس العدالة المجالية والبيئية، أم أن الأمر يندرج ضمن مسلسل تسويق المشاريع في ظل ضغط التحولات المناخية والرهانات الجيوسياسية على المغرب؟

بين السياسة والبيئة: ماذا تحمل شراكة سيدي معافة؟

الاتفاقية، التي تبلغ كلفتها الإجمالية 87 مليون درهم موزعة على ثلاث سنوات، لا تتوقف عند حدود تشجير 1300 هكتار أو إنشاء مسارات ترفيهية، بل تطرح سؤالًا أكبر حول دور البيئة في إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجال، خصوصًا في جهة الشرق التي عانت طويلًا من التهميش التنموي مقارنة بمحاور المركز.

هل تمثل وجدة اليوم بوابة لتجريب نموذج تنموي بيئي جديد، أم أن المشروع سيظل حبيس الرؤية التقنية، بعيدًا عن ملامسة التحولات الاجتماعية التي يعيشها الإقليم؟

أية حكامة؟ وأي أثر اجتماعي؟

الحديث عن تشييد سدود صغيرة، وقنوات تصريف مياه، وملاعب قرب، هو في عمقه استثمار في البنية التحتية البيئية والاجتماعية، لكنه يثير أيضًا سؤال الحكامة الترابية: من يقرر؟ من يراقب؟ ومن يضمن استدامة هذه الإنجازات؟

المثير أن المشروع سيتم تنفيذه تحت إشراف وكالة المياه والغابات، بشراكة مع جماعة وجدة وجهة الشرق، وبتنسيق مع شركة التنمية المحلية “وجدة للتحية”، وسط إشراف لجنة يرأسها والي الجهة. هذا التموقع قد يطرح تحديًا على مستوى التنسيق، فهل يمكن فعلاً ضمان الالتقائية التي تحدثت عنها الوزيرة في ظل تعدد المتدخلين؟

السياق الدولي حاضر بقوة

المشروع لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات الدولية في مجال المناخ. فالمغرب، بصفته من الدول الموقعة على اتفاقيات المناخ، مطالب اليوم بإثبات التزامه العملي بأهداف التنمية المستدامة. فهل تأتي هذه المبادرات استجابة فعلية للميثاق الوطني للبيئة، أم أنها تندرج في إطار تحسين صورة البلاد قبيل محطات دولية مقبلة، مثل استضافة جزء من مونديال 2030؟

وفق تقارير مثل البنك الدولي و”غرين كلايميت فاند”، فإن الاستثمار في الفضاءات الخضراء لا يُعدّ ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لحماية المدن من الآثار الكارثية للتغير المناخي. فهل يشكل مشروع سيدي معافة خطوة في هذا الاتجاه، أم مجرّد حلقة معزولة عن رؤية شاملة؟

المواطن.. الحاضر الغائب؟

ورغم أن المشروع يصبّ في مصلحة الساكنة، إلا أن الخطاب الرسمي ظل محافظًا ولم يُشِر إلى دور المجتمع المدني أو آليات إشراك المواطنين في التتبع والتقييم. والسؤال: هل سيكتفي المواطن بدور المتلقي لخدمات المشروع، أم سيكون له موقع في صيانته وتطويره؟

نحو أي نموذج تنموي بيئي نسير؟

المبادرة تُحسب للوزارة وللجهات الشريكة، ولا شك أنها تضيف لبنة جديدة لمسار “غابات المغرب 2020-2030″، إلا أن التحدي الأكبر يبقى في ضمان استمرار هذا النوع من المشاريع، وربطها باستراتيجيات تعليمية وتربوية وثقافية، تُرسّخ قيم المواطنة البيئية، لا فقط التهيئة الظرفية.

وفي ظل تراكم التقارير الوطنية والدولية التي تُحذّر من تصاعد مؤشرات التصحر وضعف المساحات الخضراء في المغرب، هل يمكن لمشاريع كهذه أن تُغير من المعادلة، إذا لم تُقرن بإصلاح مؤسساتي وثقافي أعمق؟