في تصريحات نارية، وجهت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم خطابًا لاذعًا إلى الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، ردًا على سياساته المعادية للهجرة وتوجهاته الحمائية، ولا سيما إصراره على بناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك.
جاءت كلماتها محملة بالسخرية اللاذعة، لكنها في الوقت نفسه حملت رسالة سياسية واقتصادية عميقة تعكس تحولات القوة في النظام العالمي الحالي. فهل يمكن اعتبار هذه التصريحات مجرد رد فعل سياسي، أم أنها تعبر عن واقع اقتصادي جديد قد يحدّ من الهيمنة الأمريكية؟
شينباوم وترامب: صراع رؤى أم واقع جديد؟
منذ حملته الرئاسية الأولى في 2016، جعل دونالد ترامب من ملف الهجرة وبناء الجدار الحدودي أحد ركائز خطابه الشعبوي، مدعيًا أن المكسيك هي مصدر رئيسي للجريمة والمخدرات. اليوم، ومع عودته إلى السباق الرئاسي، يبدو أن هذا الخطاب لا يزال حاضرًا بقوة، مما دفع شينباوم، كأول رئيسة يسارية من أصول يهودية في المكسيك، إلى مواجهته بخطاب يعكس تحولات كبرى في موازين القوى العالمية.
تضمنت تصريحاتها رسالة واضحة: العالم لم يعد كما كان في الماضي، ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة فرض رؤيتها الاقتصادية والسياسية كما تشاء. فالمستهلكون حول العالم يمتلكون اليوم خيارات بديلة، ويمكنهم التخلي بسهولة عن المنتجات والخدمات الأمريكية لصالح أخرى أوروبية أو آسيوية، مما يعني أن أي سياسات انعزالية أمريكية قد ترتد سلبًا على الاقتصاد الأمريكي نفسه.
الاقتصاد الأمريكي في مواجهة العولمة الجديدة
إذا كان ترامب يعتقد أن بإمكانه فرض سياساته الاقتصادية بمعزل عن تداعياتها العالمية، فإن شينباوم سلطت الضوء على هشاشة هذا الطرح. فقد أشارت إلى أن الولايات المتحدة ليست وحدها في السوق، وأن المستهلكين العالميين لديهم بدائل أفضل من المنتجات الأمريكية، سواء في مجالات التكنولوجيا، السيارات، الترفيه، السياحة، وحتى الأطعمة.
لكن هنا يبرز السؤال: إلى أي مدى تستطيع المكسيك ودول العالم فعليًا التأثير على الاقتصاد الأمريكي؟
-
في قطاع التكنولوجيا، لم تعد Apple تحتكر السوق، حيث يبرز العملاقان الآسيويان Samsung وHuawei بقوة، وهذا يعني أن اعتماد المستهلكين على المنتجات الأمريكية لم يعد كما كان في السابق.
-
في صناعة السيارات، تراجعت هيمنة Ford وChevrolet أمام شركات آسيوية مثل Toyota وHyundai، وحتى الشركات الأوروبية مثل BMW وRenault تكتسب مزيدًا من الحصة السوقية.
-
في قطاع الترفيه، لم يعد إنتاج هوليوود هو الخيار الوحيد، مع صعود الإنتاجات السينمائية الأوروبية واللاتينية، وخدمات البث مثل Netflix وAmazon Prime التي تعرض محتويات عالمية متفوقة على الأفلام التقليدية.
-
حتى في قطاع الأغذية والوجبات السريعة، لم تعد McDonald’s وKFC الخيار الحتمي، مع توسع مطاعم تقدم بدائل صحية ومحلية في مختلف دول العالم.
هل يستطيع العالم الاستغناء عن الولايات المتحدة؟
رغم وجاهة النقاط التي أثارتها شينباوم، إلا أن السؤال الأهم هو: هل يمكن حقًا استبدال الولايات المتحدة كلاعب اقتصادي عالمي؟
-
لا تزال الدولار الأمريكي هو العملة المهيمنة في المعاملات الدولية، مما يمنح واشنطن نفوذًا اقتصاديًا واسعًا.
-
الولايات المتحدة لا تزال مركزًا رئيسيًا للتكنولوجيا والابتكار، مع وجود شركات مثل Google، Microsoft، Tesla، وMeta التي تؤثر على المشهد الاقتصادي العالمي.
-
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد سلاسل التوريد العالمية على المنتجات والخدمات الأمريكية، مما يجعل من الصعب استبعادها بالكامل من النظام الاقتصادي العالمي.