في تطور غير مسبوق بمدينة طنجة، وقفت السلطات المحلية، بقيادة الوالي يونس التازي، على مخالفات تعميرية جسيمة تورط فيها منعشون عقاريون كبار، بعضهم مرتبط بشخصيات سياسية ومنتخبين نافذين. وتأتي هذه الخطوة لتعيد إلى الواجهة ملفًا شائكًا ظل لعقود يُدار خلف الستار: ملف التعمير والمصالح المتشابكة بين المال والسياسة في “عروس الشمال”.
هل تنفجر فقاعة التواطؤ؟
بحسب ما كشفت عنه مصادر إعلامية، فإن عددا من المشاريع والأوراش السكنية الجارية لم تلتزم بتصاميم البناء المرخصة، ما جعل السلطات تحرر محاضر قد تكون مقدمة لفتح تحقيقات قضائية أو تأديبية. غير أن السؤال الأهم يظل مطروحًا: هل سيتم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، أم سيتم احتواء الملف داخل الصالونات السياسية؟
العقار.. صناعة النفوذ أم خرق للقانون؟
قطاع البناء في طنجة لا يقتصر على كونه رافعة اقتصادية، بل يُمثل أيضًا أحد أدوات صناعة النفوذ السياسي، حيث تحوّل عدد من رجال الأعمال إلى منتخبين، والعكس صحيح. فهل نحن أمام حالة واضحة لتضارب المصالح؟ وكيف يمكن للمجالس المنتخبة، التي يُفترض أن تراقب وتحمي المصلحة العامة، أن تقوم بهذا الدور في ظل وجود شبكة من المصالح الشخصية بين بعض أعضائها والمنعشين العقاريين؟
والي طنجة يبعث برسالة: هل نعيش بداية قطيعة؟
بحسب عدة مؤشرات، فإن تحرير محاضر رسمية وإطلاق حملة مراقبة واسعة على المشاريع السكنية، يُفهم على أنه رسالة مباشرة من الوالي يونس التازي لأباطرة العقار بالمدينة، الذين يعتبرهم كثيرون من المسؤولين عن تشويه وجه طنجة عبر التمدد العشوائي والمشاريع المخالفة للضوابط التعميرية.
لكن هنا أيضًا يُطرح السؤال: هل هذه الحملة ظرفية لأسباب سياسية ظرفية، أم أنها تمثل بداية سياسة عمرانية جديدة تعيد الهيبة للقانون وتكسر احتكار أقلية نافذة للقطاع؟
من يربح ومن يخسر؟
الساكنة هي المتضرر الأول من هذه الخروقات: بنايات دون مواصفات، شقق تغرق في مشاكل البنية التحتية، غياب المرافق الأساسية، وتراجع الجودة مقابل ارتفاع خيالي في الأسعار. فهل تتحول هذه الحملة إلى فرصة حقيقية لإنصاف المواطن الطنجاوي، أم أنها مجرد جولة ضمن صراع نفوذ خفي؟
أين صوت النيابة العامة؟
في ظل حجم المخالفات التي أُشير إليها، يبرز غياب واضح لصوت العدالة. فهل سنشهد فتح تحقيق قضائي شامل يشمل المتورطين؟ وهل ستمتد المحاسبة إلى المنتخبين الذين “دافعوا عن ملفات بعينها” كما تشير المصادر؟ أم أن الحصانات السياسية والنفوذ المالي سيبقيان الجدار العازل ضد أي تغيير جذري؟
السياق الأوسع: تعمير أم تسيّب ممنهج؟
ما يحدث في طنجة ليس استثناءً، بل يُشبه ما جرى سابقًا في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، ومراكش، حيث يتحول التعمير إلى حقل ألغام تحكمه علاقات الزبونية، أكثر مما تضبطه القوانين. ما جدوى القوانين العمرانية كـ قانون 12-66 إذا لم تُطبق بشكل صارم؟ وهل نحن بحاجة إلى وكالة وطنية مستقلة لمراقبة العمران خارج وصاية المنتخبين؟
خاتمة مفتوحة: طنجة على مفترق طرق
المعركة المفتوحة بين سلطات المدينة ومنعشين عقاريين متنفذين قد تحدد مستقبل العمران في طنجة، وربما في المغرب كله. فإما أن يُعاد الاعتبار لسلطة القانون ويُفكك التحالف التاريخي بين المال والسياسة في التعمير، أو تستمر لعبة “التسويات” التي تجعل المواطن يدفع ثمن الغش، والصمت، والفساد.