في خطوة قد تحمل بذور التحول في تدبير الرقابة على الشأن المحلي بالمغرب، تعتزم المفتشية العامة للإدارة الترابية، بقيادة محمد فوزي، الوالي الذي عُيِّن مؤخرًا، إيفاد لجان تفتيش مركزية إلى جماعات محلية ظلّت لسنوات خارج دائرة المراقبة، فيما وصفه متابعون بأنه تصدٍّ لمناطق ظلّ محمية من المساءلة رغم تراكم الخروقات، خصوصًا داخل أقاليم تابعة لجهات الدار البيضاء-سطات، مراكش-آسفي، وبني ملال-خنيفرة.
لكن هذه المبادرة تثير تساؤلات جوهرية: لماذا تأخر التفتيش لعقود في جماعات بعينها؟ ومن كان يحمي هذه “البقع المعفية” من المراقبة؟ وهل نحن أمام رغبة حقيقية في إرساء قواعد المحاسبة؟ أم فقط محاولة لتصحيح التوازن السياسي قبل استحقاقات مقبلة؟
جماعات فوق القانون؟
تكشف المعطيات أن بعض الجماعات، رغم قربها الجغرافي من مواقع خضعت لتفتيش دوري، ظلت “معزولة” عن أي زيارة من المفتشية العامة، مما يطرح علامات استفهام حول انتقائية المراقبة وازدواجية التعامل. فعلى سبيل المثال، لم تُمس جماعة بإقليم برشيد رغم أن جماعة برشيد نفسها خضعت للتفتيش. ويُشار إلى أن رئيس الجماعة الأولى سبق أن طُعن في انتخابه أمام محكمة النقض، دون أن يؤثر ذلك في موقعه أو في استدعاء لجان تحقيق لمتابعة طريقة تدبيره.
والمثال نفسه يتكرر في جماعة تابعة لإقليم مديونة، حيث لم تعرف أي زيارات للمفتشية، باستثناء زيارة يتيمة لقضاة المجلس الأعلى للحسابات بناءً على ملتمس المعارضة.
خروقات موثقة… وصمت إداري؟
وفق المعطيات، فإن تقارير وشكايات رسمية مرفوقة بأحكام قضائية، صادرة عن مستشارين في المعارضة، رُفعت إلى المصالح المركزية لوزارة الداخلية، تتضمن خروقات خطيرة:
-
خرق مقتضيات المادة 35 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلقة بعدم إشعار الأعضاء بدورات المجالس.
-
فرض ضرائب غير قانونية على أراضٍ معفاة (خلافًا للمادة 12 من القانون 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية).
-
اختلالات في تحصيل الرسوم على الأراضي الحضرية غير المبنية.
-
تلاعبات في صفقات الآبار والسقايات ومد قنوات الماء.
-
صرف أموال طائلة عبر سندات طلب مشبوهة دون مراقبة مالية واضحة.
كل هذه المعطيات، إن صحت، تدفع إلى التساؤل عن دور أجهزة الرقابة خلال السنوات الماضية، لا سيما في مناطق لم تعرف أي تفتيش منذ أزيد من عشر سنوات، كما هو الحال في جماعة تيط مليل (آخر تفتيش سنة 2012) وجماعة سيدي حجاج واد حصار (2010).
قراءة في السياق المغربي والدولي
هذا التحرك يأتي في وقتٍ تواجه فيه الجماعات المحلية في المغرب أزمة ثقة، حيث تشير تقارير وطنية ودولية، منها تقارير المجلس الأعلى للحسابات وتقارير “ترانسبارنسي المغرب”، إلى غياب آليات فعالة للمحاسبة المحلية، وتوسع شبكات الريع والزبونية.
على المستوى الدولي، يرتبط التدبير المحلي الجيد بمؤشرات الحوكمة الرشيدة التي تعتمدها منظمات مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتي تشدد على ضرورة ربط التمويل المحلي بالمساءلة والشفافية. فهل يسير المغرب في هذا الاتجاه، أم أن التفتيش المرتقب مجرد محاولة لعزل حالات شاذة دون مراجعة المنظومة برمتها؟
أسئلة مفتوحة للسلطات والمجتمع المدني:
-
هل هناك إرادة سياسية حقيقية لكسر “حصانة” بعض رؤساء الجماعات؟
-
كيف يمكن ضمان نزاهة واستقلالية لجان التفتيش؟ ومن يراقب المفتشين أنفسهم؟
-
لماذا تأخرت وزارة الداخلية في التجاوب مع شكايات وتظلمات مرفقة بأحكام قضائية؟
-
ما هو مصير التقارير التي سترفع بعد هذه الزيارات؟ وهل ستُحال على القضاء أم تُطوى في الأدراج كما في ملفات سابقة؟