“هل تُدار لقمة العيش بعقلية المونديال؟ قراءة في تدوينة مستشار مغربي تُشخّص أعطاب الأمن الغذائي في العالم الإسلامي”

0
87

في تدوينة فايسبوكية مطولة، أثارت الكثير من الجدل والتفاعل، قدّم المستشار في السياسات العمومية والباحث في الجغرافيا السياسية والاقتصاد السياسي، أيوب الرضواني، قراءة حادة في واقع الدول العربية والإسلامية من زاوية واحدة لكنها مركزية: لقمة العيش.

ورغم أن النص كُتب بأسلوب شعبي ساخر أحيانًا، وصادم أحيانًا أخرى، إلا أنه يعكس حجم القلق المتصاعد إزاء غياب سياسات غذائية مستدامة في معظم دول الجنوب، وخصوصًا في الوطن العربي الكبير.

ولأن المقال يمثل رأيًا شخصيًا على صفحته الخاصة، فإننا في هذا المقام نعيد تقديم مضمونه من زاوية التحليل الصحفي والمعرفي، دون أن نتحمل مضمون ما جاء فيه، مع حرصنا على التوسيع في الرؤية وربطها بالسياقات الوطنية والدولية، وطرح الأسئلة التي تُنير القارئ أكثر من أن تُلقنه.

صورة قاتمة: دول كثيرة، رؤية قليلة

يرصد الرضواني في تدوينته المفارقة بين التنوع الجغرافي والديموغرافي الهائل للعالم الإسلامي (أكثر من 56 دولة)، وبين غياب الإرادة السياسية الجادة لتحقيق الاكتفاء الغذائي. ويطرح تساؤلاً لافتًا:

“هل سمعنا يوما بمعرض فلاحي في القاهرة أو الجيل الأخضر في الصومال؟”

وهو تساؤل وإن جاء بصيغة تهكمية، إلا أنه يفتح الباب أمام نقاش أكبر: لماذا لا نربط بين الأمن الغذائي والسيادة الوطنية؟

أين استراتيجيات الفلاحة في أغلب البلدان الإسلامية؟ ولماذا تظل مرتهنة للتقلبات الدولية رغم توفرها على الموارد الطبيعية والبشرية؟

تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) ومؤشر الأمن الغذائي العالمي (GFSI) تؤكد أن أغلب الدول العربية تتراجع بشكل ملحوظ في مؤشرات القدرة على توفير الغذاء الكافي والصحي بأسعار معقولة.

الحالة المغربية: عندما يصير الفقراء هدفًا للسياسات لا شركاء فيها

الرضواني، الذي يكتب من موقعه كباحث ومتابع للسياسات العمومية، يركز في الجزء الأكبر من تدوينته على المغرب، ويستعرض نماذج من ما يسميه “التلاعب بسوق المواد الأساسية”، مثل السردين، البطاطس، البصل، والخروف، وغيرها.

وإن كانت هذه الإشارات تحمل نفسًا شعبويًا، إلا أن مضمونها يعيد طرح أسئلة جدية:

  • لماذا لا يتم تفعيل آليات ضبط السوق بشكل فعال؟

  • أين اختفت تدخلات الدولة لحماية المستهلكين الضعفاء، كما هو معمول به في دول مشابهة أو أفقر؟

  • هل يُعقل أن تُصدر المنتجات الفلاحية للخارج بينما أسعارها داخليًا لا تُطاق؟

الجواب لا يتطلب تحليلاً اقتصادياً عميقاً بقدر ما يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة لمحاسبة من يتحكم في رقاب المواطنين من خلال المواد الغذائية.

كأس إفريقيا على حساب الكبش؟ حدود المفارقة

واحدة من أكثر النقاط إثارة في تدوينة الرضواني كانت حين قارن بين حرمان المغاربة من شعيرة الأضحية هذا العام، وبين التحضير لمهرجان كروي إفريقي ضخم.

وهو وإن بدا مقارنة غير متكافئة في الظاهر، إلا أنه يعكس مفارقة في ترتيب الأولويات من منظور شريحة واسعة من المواطنين.

هنا يجب أن نطرح السؤال الصحفي بوضوح: هل اختارت الدولة أن تُراهن على صورتها الخارجية أكثر من صيانة تماسكها الاجتماعي الداخلي؟ وهل تستطيع كرة القدم ــ رغم وهجها ــ أن تُعوّض عن تراجع الأمن الغذائي، وتقلص القدرة الشرائية، وفقدان الثقة في السوق؟

 في العمق: الجوع لا يُهزم بالدعاية

ما يطرحه الرضواني، ولو بشكل عاطفي، هو تساؤل استراتيجي:

“من يحكم الغذاء؟ ومن يحكم من يحكم الغذاء؟”

فما لم يتم تفكيك منظومة الريع الفلاحي، ومحاسبة المتحكمين في الأسواق، وتوجيه الدعم نحو الإنتاج والتوزيع لا نحو التصدير، فإن المغرب وغيره من دول الجنوب سيظلّ رهينة تقلبات السوق الدولية، ورهينة طبقة لا تتغذى سوى من اختلالات النظام.

خاتمة: من واجب الصحافة أن تسأل

إن طرح أيوب الرضواني، رغم أسلوبه المتفجّر، يفرض علينا كصحفيين أن نعيد قراءة السياسات الغذائية في المغرب والعالم الإسلامي. لا من باب التهويل، بل من منطلق الإنذار:

  • هل لقمة العيش اليوم تحت الحصار؟

  • ومن يملك حق تقرير مصير ما يدخل إلى بطون الشعوب؟

  • وهل ما زال المواطن شريكًا في الوطن، أم صار مجرد مستهلك يُقنن عليه الهواء والطعام باسم السوق والمنافسة؟

أسئلة لن نجد جوابها في الدعاية الرسمية ولا في المونديالات، بل في القُرى والحواضر والأسواق… وفي عيون من لا يستطيعون شراء “سردينة” أو “هندية” بعد اليوم.