هل تُربك ملفات “تضارب المصالح” موقع التجمع الوطني للأحرار… أم أنها مجرد معركة رمزية بلا أثر انتخابي؟

0
177

لم يكن فتح حزب العدالة والتنمية من جديد لملفات تضارب المصالح مجرّد خطوة رقابية عابرة. فإعادة تسليط الضوء على صفقة الأدوية المرتبطة بوزير ينتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، ثم استدعاء قضية تحلية مياه الدار البيضاء التي فازت بها شركات مرتبطة برئيس الحكومة… كل ذلك يوحي بأننا أمام محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي عبر البوابة الأخلاقية، وفتح النقاش حول العلاقة الملتبسة بين السلطة ورأس المال في المغرب.

لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا ليس ما إذا كانت الاتهامات صحيحة أو مبالغًا فيها، بل: هل يمكن لهذه الملفات أن تُحدث تحولًا انتخابيًا فعليًا عام 2026؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سجالًا سياسيًا يظل تأثيره محصورًا داخل النخب ووسائل الإعلام؟

بين الأخلاق والسياسة… أين يقف الناخب المغربي؟

وفي قراءةٍ تداولتها بعض المواقع الإخبارية الوطنية حول هذا الجدل، قدّم المحلل السياسي رشيد لزرق — رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث — زاوية مغايرة لما يروج في الفضاء العام. فبالنسبة له، الرهان على الأثر الانتخابي لقضايا تضارب المصالح هو رهان مبالغ في تقديره، لأن التجربة السياسية المغربية لا تمنح لهذا النوع من الملفات وزنًا حاسمًا في توجيه سلوك الناخب.

يقول لزرق إن التجربة المغربية تُظهر بوضوح أن الناخب لا يحسم خياراته انطلاقًا من القيم الأخلاقية أو شبهات الصفقات العمومية، بل وفق منطق براغماتي يفضل القرب الاجتماعي وشبكات الوساطة والخدمات الملموسة. وهي قاعدة انتخابية راسخة تجعل من “التصويت العقابي” ظاهرة ضعيفة وغير مؤثرة بنيويًا.

لماذا قد ينجو حزب أخنوش من العاصفة؟

وفق القراءة ذاتها، يبقى احتمال تأثر التجمع الوطني للأحرار محدودًا لسببين مركزيين:

  1. تحكم الحزب في شبكات التعبئة المحلية
    التجمع بنى خلال السنوات الأخيرة امتدادًا ميدانيًا صلبًا، يقوم على تنظيم محكم وآليات اشتغال اجتماعية وخيرية متعددة.

  2. استثمار الموقع الحكومي
    وجود الحزب في قلب السلطة يمنحه القدرة على إنتاج سياسات عمومية ذات أثر مباشر، خصوصًا في القطاعات الاجتماعية، وهو ما يُعتبر لدى جزء من الناخبين معيارًا أكثر أهمية من أي نقاش أخلاقي.

بمعنى آخر:
المعارك الخطابية حول تضارب المصالح قد تملأ الفضاء الإعلامي، لكنها لا تؤسس وحدها لتحوّل انتخابي في الصناديق.

ماذا عن العدالة والتنمية؟ قوة خطاب بلا بنية تنظيمية؟

من جهة أخرى، ورغم أن العدالة والتنمية وجد في هذه الملفات مادة سياسية تُنعش حضوره داخل المعارضة، إلا أن لزرق يرى أن قدرته على تحويل السجال إلى مكسب انتخابي تبقى ضعيفة.

فالخطاب الرقابي الذي يقدمه الحزب يصطدم بثلاثة عوائق هيكلية:

  • تراجع تنظيمه الميداني بعد 2021
    الحزب فقد جزءًا كبيرًا من شبكته الانتخابية التي كانت تشكل رافعة قوية خلال مرحلة قيادته للحكومة.

  • تفكك شبكة الوساطة الاجتماعية
    خروجه من السلطة أضعف قدرته على الحفاظ على علاقات الوساطة التي كانت تضمن له حضورًا مجتمعيًا واسعًا.

  • تآكل رأسماله الرمزي والأخلاقي
    الناخب الذي غادر خيمة الحزب فعل ذلك بسبب خيبة سياسية تراكمت لسنوات، وليس بسبب غياب خطاب رقابي، ما يجعل استعادته أصعب مما يبدو.

معنى ذلك: السجال لا يعيد الأصوات

يرى لزرق أن التركيز على ملفات مثل صفقة الأدوية أو تحلية المياه لا يكفي لإعادة تعبئة القاعدة الانتخابية السابقة للعدالة والتنمية، لأن الأزمة التي يعانيها الحزب مرتبطة بضعف الثقة وتراجع الجاذبية السياسية أكثر من ارتباطها بغياب موضوعات رقابية.

وبالتالي، فالاستفادة الخطابية — مهما كانت قوتها إعلاميًا — تظل منفصلة عن المكسب الانتخابي. في منطق السياسة المغربية: الاحتجاج الأخلاقي لم يعد يترجم تلقائيًا إلى أصوات انتخابية كما كان في العقد الماضي.

خلاصة تحليلية

ما يبدو في الواجهة صراعًا حول “تضارب المصالح” هو في عمقه معركة رمزية حول شرعية السلطة وشفافية تدبير الشأن العام.

لكنّ تحويل هذه الرمزية إلى ربح انتخابي يقتضي شروطًا غير متوفرة حاليًا: لا لدى العدالة والتنمية الذي يستثمر في الخطاب، ولا لدى المعارضة عمومًا، بينما يظل التجمع الوطني للأحرار مستندًا إلى شبكات قوية ووزن حكومي يجعله أقل قابلية للاهتزاز.

بمعنى آخر:
الانتخابات تُحسم على الأرض أكثر مما تُحسم في الخطاب.