هل دخل التاريخ السجن؟ اعتقال المؤرخ محمد الأمين بلغيث يكشف حدود حرية التعبير والهويات المتصارعة في الجزائر

0
207

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على الساحة الجزائرية والدولية، أقدمت السلطات الجزائرية على توقيف الكاتب والمؤرخ محمد الأمين بلغيث، عقب تصريحاته المثيرة للجدل على قناة “سكاي نيوز عربية”، والتي وصف فيها الأمازيغية بأنها “مشروع فرنسي صهيوني” في الجزائر.

لكن هل تعكس هذه التصريحات مجرد رأي شخصي لمثقف مثير للجدل؟ أم أنها فتحت مجددًا الجرح القديم المرتبط بالهوية الوطنية في بلد عانى طويلاً من انقساماته الثقافية والسياسية؟

التصريحات الصادمة… ونقطة اللاعودة

تصريحات بلغيث أثارت موجة استياء واسعة، ليس فقط بين النشطاء الأمازيغ، بل داخل قطاعات واسعة من الرأي العام الجزائري، لما تحمله من اختزال فجّ لأحد مكونات الهوية الوطنية في تهمة التآمر الخارجي. فهل يُمكن اعتبار هذه التصريحات رأياً يدخل في باب حرية التعبير؟ أم أن الأمر يتعلق بتحريض على الكراهية وضربٍ لتوازن وطني هشّ؟

المؤرخ تحدث على قناة دولية، ما زاد من تعقيد المشهد، وجعل القضية تتجاوز الداخل الجزائري، لتتحول إلى قضية رمزية تمس صورة البلاد في الخارج، خاصة وأن التصريحات جاءت في سياق إقليمي متوتر.

موقف القضاء: بين الدستور والرمزية

بحسب البيان الصادر عن محكمة الدار البيضاء، فإن النيابة العامة أمرت بفتح تحقيق ابتدائي أفضى إلى توقيف بلغيث، وتقديمه أمام القضاء بتهم ثقيلة من بينها:

  • القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية

  • الاعتداء على رموز الأمة والجمهورية

  • نشر خطاب الكراهية والتمييز عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال

لكن السؤال المحوري: أين تقف الدولة الجزائرية اليوم بين حماية الوحدة الوطنية وحماية حرية الرأي؟ هل تسير على خطى تقنين التعبير أم تكريس الهيمنة على التاريخ الرسمي للهوية؟

الأمازيغية من الهامش إلى مركز النقاش

لا يمكن عزل تصريحات بلغيث عن الصراع التاريخي حول الاعتراف بالأمازيغية كلغة وهوية. فبعد سنوات من التهميش، اعترف الدستور الجزائري بالأمازيغية كلغة وطنية ورسمية. غير أن الجدل الثقافي لا يزال مستعراً، ويطفو على السطح كلما تفجرت أزمة سياسية أو تصعيد ثقافي.




فهل تصريح بلغيث مجرد رأي محافظ في وجه صعود الهوية الأمازيغية؟ أم أنه امتداد لتوترات غير محسومة بين العروبة والأمازيغية، بين التاريخ الرسمي وذاكرة الهامش؟

قراءة في السياق الإقليمي والدولي

تصريحات بلغيث، ورد فعل الدولة، يجب أيضًا فهمها في سياق دولي حساس، حيث تُستثمر قضايا الهوية في النزاعات الجيوسياسية. فاتهام “الصهيونية” و”الاستعمار الفرنسي” في موضوع لغوي وثقافي يعكس من جهة خطاباً وطنياً تقليدياً، ومن جهة أخرى يُعيد إنتاج سرديات التخوين بدل النقاش العقلاني.

السؤال هنا: هل نحن أمام تحصين للهوية أم تسليحٍ لها؟ هل تحوّلت الهويات الثقافية إلى أدوات مواجهة سياسية تُستعمل كلما اقتضى الظرف؟ وما موقع المثقف في هذا المشهد؟ هل هو مجرد ضحية لزلات لسان أم فاعل يتحمل تبعات خطابه؟