رغم الحماس الشعبي والرسمي الذي رافق فوز المغرب، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، بشرف تنظيم كأس العالم 2030، تكشف دراسة استطلاعية وطنية حديثة عن تصدّع عميق في ثقة المغاربة بقدرتهم، كمجتمع، على الظهور بصورة حضارية ومُشرّفة خلال هذا الحدث العالمي.
فمن خلال استطلاع أنجزه المركز المغربي للمواطنة ما بين 10 فبراير و13 مارس 2025، وشمل عينة من 1173 مغربيًا، يظهر أن الغش في المعاملات التجارية، والتسول، وقلة النظافة، وسوء معاملة النساء والسياح، تتصدر قائمة السلوكات التي يعتبرها المواطنون الأكثر تشويها لصورة البلاد.
لكن هل تعكس هذه المخاوف وعيًا جمعيًا متزايدًا بأهمية “القيم المدنية”؟ أم أنها مرآة لعجز بنيوي في تكوين المواطن القادر على احترام الفضاء العام؟ وهل نملك ما يكفي من الوقت والإرادة لتدارك هذه الأعطاب قبل 2030؟
“الغش التجاري”.. صدارة سلبية ومقلقة
بحسب الدراسة، 84.8% من المغاربة يرون أن الغش في البيع والخدمات التجارية والسياحية – كرفع الأسعار، وضعف الجودة، وخداع السياح – هو السلوك الأكثر تأثيرًا سلبيًا على صورة المغرب.
هذا الرقم لا يمكن عزله عن تقارير أخرى، منها تقرير المندوبية السامية للتخطيط (2023)، الذي أشار إلى أن القطاع غير المهيكل يستوعب أكثر من 36% من اليد العاملة، في ظل رقابة ضعيفة وتراخي إداري مزمن.
فهل يمكن تصور تجربة سياحية راقية ومطمئنة وسط هذه الممارسات؟ وهل ستجرؤ السلطات على ضبط الفوضى التجارية كما فعلت بلدان أخرى مثل قطر خلال مونديال 2022؟
النظافة والتسول والمراحيض… مؤشرات على جودة العيش أم على غيابها؟
النفايات المنتشرة، غياب المراحيض العمومية النظيفة، والتسول – وخاصة استغلال الأطفال في ذلك – كلها مؤشرات وصفها المستجوبون بأنها تسيء لصورة المغرب خلال التظاهرة.
فـ 81.7% عبّروا عن انزعاجهم من سلوكيات مرتبطة بالنظافة، و77% من التسول، و73.6% من غياب مراحيض عامة نظيفة.
وتتوافق هذه المخاوف مع تقارير دولية. ففي مؤشر “جودة العيش في المدن” الصادر عن Numbeo (2024)، حلّت مدن مغربية كبرى مثل الدار البيضاء ومراكش في مراتب متأخرة مقارنة بمدن دول مشاركة معنا في التنظيم مثل برشلونة أو لشبونة.
هل سننتظر قدوم الضيوف لنبدأ التنظيف؟ أم أن النظافة ينبغي أن تُمارس باعتبارها ثقافة يومية لا عملية تجميل ظرفية؟
سلوك “الطاكسيات” وضعف الخدمات الصحية.. علامات استفهام عن الجاهزية؟
المواطنون عبّروا أيضًا عن قلقهم من تصرفات سائقي سيارات الأجرة، كرفض تشغيل العداد أو انتقاء الزبائن، بنسبة 73%، وهي ممارسات طالما أحرجت المغرب في عيون زواره. أما ضعف الخدمات الصحية، خاصة في حالات الطوارئ، فنبّه إليه 71.7% من المستجوبين، ما يطرح سؤالًا صريحًا:
هل يمكن أن نستقبل جماهير عالمية بعقلية تدبير محلي غير مستعجل، وأطر منهكة، وبنيات صحية هشّة؟
الجواب يتطلب استحضار تقارير البنك الدولي التي طالما نبهت إلى ضعف الإنفاق الصحي للفرد المغربي، وضعف نجاعة القطاع العام في هذا المجال، رغم الشروع في مشروع الحماية الاجتماعية الشاملة.
هل كأس العالم فرصة لتقويم السلوك؟ أم حدث عابر لا يترك أثرًا؟
السؤال الجوهري الذي يطرحه الاستطلاع هو:
هل سينعكس تنظيم كأس العالم 2030 إيجابًا على سلوك المغاربة في الفضاء العام؟
الجواب جاء متحفظًا: فقط 22.7% يؤمنون بتأثير إيجابي كبير، مقابل 36.7% يرونه تأثيرًا محدودًا، و32.9% لا يؤمنون بأي تأثير.
وهنا، يبدو واضحًا أن المشكلة ليست في “الحدث العالمي”، بل في بنية الوعي والسلوك اليومي، والتي لم تُبْنَ على أسس متينة من التربية المواطِنة والتعليم المدني. وهذا ما تؤكده تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي أشار في أكثر من مناسبة إلى ضعف إدماج قيم المواطنة في المناهج الدراسية، وغياب التربية المدنية الحقيقية في المقررات.
في العمق: أي مغرب نريد أن نقدمه للعالم؟
المعطيات الواردة في هذا الاستطلاع لا تفضح فقط اختلالات سلوكية، بل تنبهنا إلى أننا أمام رِهان مضاعف: ليس فقط بناء الملاعب والطرق، بل إعادة بناء المواطن، باعتباره واجهة البلد الحقيقية.
فهل ستكتفي السلطات بحملات تحسيسية موسمية؟
أم سنشهد ثورة ثقافية وتربوية شاملة تجعل من كأس العالم فرصة للارتقاء، لا فقط مناسبة للاستعراض؟