“هل هناك إرادة سياسية لإصلاح قطاع الصحافة أم مجرد إدارة للانتظارات؟”

0
121

في زمنٍ تتسابق فيه الحكومات على هندسة بيئات إعلامية حرة وفاعلة، يبدو أن الصحافة المغربية ما تزال عالقة في منطقة رمادية بين الوعود المتكررة والإصلاحات المؤجلة. فمع كل بلاغ صادر عن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تتجدد الأسئلة الكبرى: هل نحن فعلاً بصدد بناء منظومة إعلامية صلبة ومحصّنة؟ أم أن الدولة تكتفي بإدارة “الانتظارات” بدل خوض معركة الإصلاح الجريئة؟ بلاغ 15 يونيو 2025 لا يبدو مجرد تذكير بالحقوق، بل وثيقة سياسية تشي بكثير من القلق، وتحمل إشارات لفراغ تشريعي قد يتحول إلى أزمة هيكلية إن لم يُحسم في أجله القريب.

النقابة الوطنية للصحافة تطلق صفارة الإنذار من جديد وتحذر من تآكل الزمن التشريعي و”تجميد” الدعم المشروط

في بلاغ مثقل بالإشارات والمطالب المؤجلة، عقد المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية اجتماعه يوم الأحد 15 يونيو 2025، في سياق يتسم، حسب وصفه، بـ”الانتظارية والقلق”، وهي توصيفات باتت تُختزل بها الحالة العامة للصحافة الوطنية منذ سنوات، وسط خطاب رسمي يعد بالإصلاح دون أن يقدم ملامحه بوضوح.

الاجتماع الذي يُعتبر استكمالاً لمداولات انطلقت منذ شهر ماي الماضي، يبدو من حيث توقيته ومخرجاته، محاولة جديدة لتذكير الحكومة والمؤسسات المعنية أن الزمن التشريعي ينفلت، وأن المهنيين لم يعودوا يقبلون بسياسة التأجيل وإدارة الأزمة عبر المذكرات النوايا لا عبر القرارات المؤطرة.

ماذا وراء الصمت الرسمي إزاء مشروع قانون الصحافة والنشر؟

النقابة، في بلاغها، عبّرت صراحة عن قلقها من الغموض الذي يلف المسار التشريعي لمنظومة القوانين المنظمة للمهنة. رغم تقديم مذكرة شاملة أعدتها بعد تنظيم 16 ندوة وجمع مئات المقترحات، إلا أن الرد المؤسساتي لا يزال محتشماً، ما يدفع للتساؤل: هل هناك إرادة سياسية فعلاً لفتح ورش إصلاحي حقيقي؟ أم أن الملف موضوع على الرف انتظاراً لمواءمات خارج القطاع؟

وفي ظل هذا الصمت، يبرز سؤال آخر: من يملأ الفراغ؟ وهل تتحول لجان التسيير المؤقت إلى أدوات لتعطيل الحسم السياسي، أم أنها فعلاً مرحلة انتقالية؟ وما مصير المشروع إن طال أمد هذه “المؤقتات”؟

اتفاقية جماعية… من يعرقل المسار؟

من بين أبرز محاور البلاغ دعوة صريحة لربط الدعم العمومي باتفاقية جماعية جديدة، وهو ربط اعتبرته النقابة التزاماً سياسياً لا يحتمل التأجيل. لكن التلميح إلى وجود مؤسسات إعلامية مستفيدة من الدعم دون احترام الالتزامات الاجتماعية، يثير تساؤلات عن مدى جدية آلية الرقابة الحكومية، وهل نحن أمام دعم عمومي يمول “الهشاشة المقنعة” باسم الاستقلالية والحرية.

نحو صيغ احتجاجية… هل بدأ العد العكسي؟

إعلان النقابة عن إمكانية اللجوء إلى وقفات احتجاجية وحمل الشارة داخل المؤسسات المدعّمة، مؤشر واضح على دخول مرحلة الضغط الميداني، بعد استنفاد القنوات التقليدية. لكن ما الذي يمكن أن تسفر عنه هذه الخطوات؟ وهل تلقى التجاوب من داخل الجسم الإعلامي المشتت؟ وهل تستطيع النقابة خلق جبهة داخلية موحدة لفرض التغيير؟

التلفزة العمومية… إشادة مشروطة وتحذير ضمني

البلاغ حمل أيضاً إشادة بما تحقق داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، خصوصاً على مستوى الأجور والمنح، لكنه ربط ذلك بمراقبة “التحولات المرتقبة”، في إشارة إلى احتمالات إعادة هيكلة القطاع. وهنا يطرح سؤال مركزي: هل تستعد الحكومة لفرض تغييرات استراتيجية على الإعلام العمومي دون إشراك موارده البشرية؟ وهل الصمت المحيط بالعملية مؤشّر على “مفاجآت غير مشاورية” تلوح في الأفق؟

تنظيم داخلي يواكب التصعيد

داخلياً، تهيئ النقابة نفسها لتوسيع تنظيمها وهيكلة فروعها، في رسالة ضمنية مفادها أن المرحلة المقبلة ستكون تنظيمية ونضالية في الآن نفسه. الدعوة لعقد المجلس الفيدرالي الوطني الثالث، وتسريع تشكيل فروع مراكش والدار البيضاء والصحافة المكتوبة، كلها تحركات تؤشر على استعداد لهندسة ردود فعل مؤطرة ومتدرجة.

في الختام:

بلاغ النقابة الوطنية للصحافة المغربية ليس مجرد استعراض لمطالب مهنية، بل هو وثيقة سياسية بامتياز تُلِحّ على مطلب الوضوح التشريعي، وتحذر من تمييع الدعم العمومي، وتدعو إلى تحمّل المسؤوليات.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل تتجه الدولة فعلاً نحو بناء منظومة إعلامية صلبة، أم أن الصحافة ستظل في منطقة التردد بين خطابات الإصلاح وممارسات التجاهل؟