هل يعيد الذكاء الاصطناعي كتابة مدونة الشغل؟ مراجعة منتظرة في شتنبر وسط تحولات عميقة في سوق العمل المغربي

0
242

في تصريح قد يشكل ملامح مرحلة جديدة في علاقة المغاربة بعالم العمل، أعلن يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، عن قرب إجراء مراجعة قانونية شاملة لمدونة الشغل، في أفق شهري شتنبر أو أكتوبر المقبلين، وذلك بغرض تأطير العمل عن بُعد ضمن قواعد تنظيمية واضحة.

لكن هل هذا التعديل هو مجرد إجراء إداري، أم أنه إيذان ببداية تحول جذري في الفلسفة التي تحكم علاقة الشغل بالمغرب؟ وهل تمتلك الدولة ما يكفي من الأدوات والرؤية لمواكبة هذه النقلة في ظل الثورة الرقمية الجارية عالميًا؟

الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا… بل فرصة؟

في ندوة نظمتها جامعة الأخوين بشراكة مع مجموعة لوماتان بالدار البيضاء، تحت عنوان “قابلية التشغيل والتنافسية في عصر الذكاء الاصطناعي”، حاول الوزير أن يعيد رسم العلاقة بين التكنولوجيا وسوق الشغل. فقد شدد على أن الذكاء الاصطناعي، بعيدًا عن كونه خصمًا للتشغيل، يمكن أن يكون حليفًا في خلق فرص جديدة وتحسين الإنتاجية.

غير أن هذا الطرح يطرح تساؤلاً مركزيًا: هل يستطيع المغرب، بإمكانياته الحالية، أن يوجّه الذكاء الاصطناعي لخدمة التشغيل بدل أن يفاقم ظاهرة البطالة؟

إصلاح جذري للتكوين المهني… بأي أدوات؟

الوزير لم يكتف بالحديث عن التشريع، بل دعا أيضًا إلى إصلاح عميق لمنظومة التكوين المهني، مؤكدًا على ضرورة إعداد التكوينات بالتعاون المباشر مع الممارسين في الميدان، مع إطلاق مرصد ذكي لمواكبة الباحثين عن عمل، وتوفير أدوات رقمية تساعدهم على تحسين سيرهم الذاتية وفهم سوق الشغل.

هنا تطرح أسئلة جوهرية:

  • ما مدى جاهزية البنية التحتية الرقمية المغربية لاستيعاب هذه الطفرة؟

  • هل هناك ميزانية واستراتيجية واضحة لدعم هذه المبادرات الطموحة؟

  • وكيف سيتم ضمان عدالة الولوج إليها خاصة لفئات الشباب في المناطق المهمشة؟

من الشهادة الأكاديمية إلى الكفاءة الفعلية

في تحول يبدو ثوريًا، تحدث السكوري عن ضرورة تحقيق توازن جديد بين الشهادة الأكاديمية والكفاءة المهنية، ملمّحًا إلى مسعى حقيقي لإعادة الاعتبار للمهارات العملية والمعترف بها من طرف الفاعلين الاقتصاديين.

لكن في واقع سوق مغربي يهيمن عليه هاجس “الدبلومات”، هل سيكون هذا التحول مقبولًا اجتماعيًا؟ وكيف يمكن إقناع المقاولات والمؤسسات باعتماد معيار الكفاءة بدل الشهادة؟

هل الدولة جاهزة لتنظيم العمل عن بُعد؟

أكثر ما أثار الانتباه في تصريح الوزير، هو إعلانه عن قرب تأطير العمل عن بعد قانونيًا. ومع أن هذا النمط من العمل أصبح واقعًا عالميًا، إلا أن تأطيره في المغرب يطرح تحديات متعددة:

  • كيف سيتم ضبط العلاقة بين الأجير والمشغّل عن بعد؟

  • ماذا عن التعويضات والحماية الاجتماعية والتأمين؟

  • وهل يملك المفتشون والهيئات الرقابية القدرة على تتبع هذا النمط من الشغل الجديد؟

في الختام: بين الطموح والتحقيق

تصريحات الوزير السكوري تحمل في طيّاتها رؤية طموحة لمغرب رقمي وحديث، يواكب الذكاء الاصطناعي لا كمصدر للتهديد، بل كأداة للتقدم. لكنها في الوقت ذاته تطرح تحديات كبرى في التشريع، والتنفيذ، والعدالة المجالية، والثقة بين الدولة والمواطن.

ويبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح مراجعة مدونة الشغل في صياغة عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن في عصر الذكاء الاصطناعي؟ أم أن البنية التقليدية للمؤسسات ستفرغ هذه التعديلات من مضمونها الحقيقي؟