هل يفتح مقترح حزب الشورى والاستقلال بابًا لإصلاح عميق أم مجرد حلقة في جدل قديم؟

0
183
صورة : موقع هيسبريس

في خطوة لافتة، دعا حزب الشورى والاستقلال (رمزه الجمل) إلى تحديد عدد ولايات البرلمانيين في ولايتين فقط، بدعوى ضخ دماء جديدة داخل المؤسسة التشريعية وفسح المجال أمام الكفاءات الشابة للمشاركة في صناعة القرار. مطلب يبدو للوهلة الأولى وجيها، لكنه يطرح في العمق أسئلة سياسية حارقة:

  • هل يكفي تحديد عدد الولايات لتجديد النخب أم أن الأمر يحتاج إلى إعادة بناء شاملة للعرض السياسي برمته؟

  • ألا يُخشى أن يتحول هذا الإجراء إلى مجرد “تدوير للنخب الحزبية” نفسها بدل خلق تجديد حقيقي؟

بين “التنافي” و”تخليق الحياة السياسية”

المذكرة التي قدمها الحزب إلى وزارة الداخلية في أفق انتخابات 2026، تضمنت كذلك الدعوة إلى منع الجمع بين صفة نائب برلماني ورئاسة جماعة أو غرفة مهنية، في مسعى لفك الارتباط بين المحلي والوطني وتفادي تضارب المصالح. هذا النقاش ليس جديدًا في المغرب، لكنه يعود اليوم في سياق أزمة ثقة بين الناخبين والأحزاب.

في فرنسا مثلًا، أقرّت قوانين تمنع الجمع بين أكثر من مسؤولية انتخابية، ما ساعد على تكريس مبدأ التخصص في الوظائف التمثيلية وتعزيز الشفافية. فهل يمكن أن يستفيد المغرب من التجربة الفرنسية، أم أن بنيته السياسية والاجتماعية مختلفة بما يجعل النقل الحرفي للنموذج غير مجدٍ؟

أزمة المشهد الحزبي: من التشرذم إلى “الدكاكين السياسية”

يشير الحزب إلى أنّ المشهد السياسي يعيش حالة ترهّل وضبابية، حيث يكاد الخطاب الحزبي يتشابه إلى حد التماهي، مما يضع الناخب أمام خيارات بلا ملامح. كما حذّر من انتشار ما سماها “الدكاكين الحزبية”، التي تقوم على أسس جهوية أو دينية أو لغوية.

هنا يطرح سؤال أعمق: أليس النظام الحزبي المغربي بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية تحدد بدقة شروط التأسيس والعمل السياسي، على غرار ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حين جرى تقليص عدد الأحزاب لتقوية التمثيلية وضمان استقرار المؤسسات؟

المرأة والشباب: بين الشعارات والآليات العملية

من بين المقترحات اللافتة، ربط جزء من الدعم العمومي بنسبة إشراك النساء والشباب في الأجهزة القيادية للأحزاب. خطوة تتقاطع مع ما عرفته كندا أو بلدان الشمال الأوروبي، حيث جرى تخصيص تمويلات مرتبطة بمؤشرات المساواة والتجديد. لكن هل يكفي الدعم المالي وحده لتغيير العقليات والثقافة السياسية السائدة، أم أن الأمر يتطلب إصلاحًا ثقافيًا ومؤسساتيًا أوسع؟

المال الانتخابي و”الفايك نيوز”: معركة الشفافية والمصداقية

المذكرة شددت أيضًا على ضرورة تخليق العملية الانتخابية، من خلال محاربة المال الانتخابي وتعزيز الرقابة عبر المجلس الأعلى للحسابات. وهو مطلب لطالما رفعته هيئات مدنية دون أن يترجم فعليًا على أرض الواقع. في المقابل، ركز الحزب على محاربة الأخبار الزائفة خلال الحملات، عبر تجنيد الإعلام العمومي والخاص ومواقع التواصل.

لكن السؤال الجوهري: هل تكفي المقاربة التقنية – تنقية اللوائح، مراقبة التمويل، مواجهة الأخبار الزائفة – لاستعادة الثقة في السياسة، أم أن جوهر الأزمة يرتبط بفقدان المواطن للإحساس بجدوى العملية الانتخابية في حد ذاتها؟

محطة 2026: لحظة اختبار الثقة

حين يعلن أحمد بلغازي، الأمين العام للحزب، أن الانتخابات ليست مجرد لحظة تقنية، بل محطة مجتمعية كبرى تتجسد فيها إرادة الأمة، فإنّه يضع الإصبع على جوهر الأزمة: كيف يمكن إقناع المواطن المغربي بأن صوته له وزن في رسم السياسات؟

ربما الجواب لا يكمن فقط في تحديد ولايتين أو منع التنافي، بل في إعادة بناء علاقة الثقة بين الناخب والدولة والأحزاب، علاقة قائمة على الشفافية والمحاسبة والتنافس السياسي الحقيقي، كما أظهرت تجارب دول مثل تشيلي أو كوريا الجنوبية، حيث كان الإصلاح السياسي ثمرة ضغط مجتمعي واسع، وليس فقط تعديلات تقنية.