هل يقود لفتيت حكومة 2026؟ قراءة في خلفيات المشهد السياسي المغربي

0
239

في إطار متابعة التطورات السياسية المغربية، وصلتنا مادة تحليلية من الدكتور حفيظ الزهري، باحث في الدراسات السياسية والدولية عبر الواتساب، ضمن زمالته وعلاقته بالكاتب الصحفي جمال السوسي. واستُلهمت هذه المادة لصياغة هذا المقال بأسلوب تحريري خاص بنا، يهدف إلى تفكيك المشهد السياسي واستشراف تداعياته على الحكومة المقبلة.

يبدو أن المشهد السياسي المغربي مقبل على تحولات قد تُعيد رسم قواعد اللعبة، ليس على مستوى الحوار الحزبي فحسب، بل أيضاً على مستوى النتائج والمخرجات التي سترسم ملامح الانتخابات التشريعية 2026 وتشكيل الحكومة القادمة، والتي قد تختلف بشكل جوهري عن سابقاتها، بالنظر إلى حجم التحديات والرهانات المطروحة أمام المملكة.

من اللافت للمتابع أن وزارة الداخلية عادت بقوة إلى واجهة المشهد السياسي هذا العام، ليس فقط عبر إشرافها على ملفات حساسة مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو السجل الاجتماعي الموحد، بل أيضاً عبر إدارة ملفات استراتيجية كالدعم المخصص للقطاع الحيواني، الذي يحدد مستقبل القطيع الحيواني بالمغرب. هذا التركيز يعكس حرص الدولة على وجود سلطة محايدة وقادرة على ضبط التوازنات بعيداً عن استغلال سياسي محتمل من قبل الأحزاب الحاكمة.

إشراف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت على الحوار حول انتخابات 2026، بدلاً من رئيس الحكومة كما جرى العرف، يشكل إشارة واضحة على أن الدولة تريد انتخابات مختلفة، سواء من حيث القوانين أو من حيث الإعداد والتنفيذ. لقد منحت الدولة وزارة الداخلية صفة الحياد والرصانة، لاستعادة التوازن في المشهد السياسي بعد التجاوزات المحتملة للتحالف الحكومي، الذي بدا في بعض الأحيان وكأنه يسعى لتهميش المعارضة واستغلال قوته العددية، وهو ما لا يتوافق مع أدبيات النظام السياسي المغربي، كما أكد المرحوم الحسن الثاني: “لو لم تكن هناك معارضة لخلقتها”.

الإجماع الذي يحظى به عبد الوافي لفتيت بين الفاعلين السياسيين يعيد إلى الأذهان تجربة إدريس جطو، الذي تولى وزارة الداخلية بنجاح قبل أن يُعين رئيساً للحكومة بعد تجاوز خلافات كبرى بين الأحزاب. هذا يطرح سؤالاً مركزياً: هل يمكن أن يُكرر المغرب تجربة جطو، وهذه المرة في ظل حكومة “المونديال”، مع شخصية تكنوقراطية بحجم وخبرة لفتيت؟

الرهانات أمام المغرب اليوم كبيرة: مشاريع استراتيجية وأوراش تنموية ضخمة، بالإضافة إلى تعزيز العدالة المجالية التي أكد عليها جلالة الملك في خطاب العرش الأخير، وجعلها أولوية لدى الحكومة الحالية والحكومات المقبلة. تجربة لفتيت المتراكمة – من عامل إلى والي ثم وزير للداخلية في ولايتين – تمنحه كاريزما وقدرة على التعامل مع الملفات الكبرى، فيما علاقاته المتوازنة مع مختلف الفرقاء السياسيين تعزز احتمالات نجاحه في بناء توافقات صعبة وتحقيق الاستقرار السياسي.

لكن الطريق ليس خالياً من التحديات: الفصل 47 من الدستور ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في انتخابات مجلس النواب. لفتيت غير منتسب حزبياً، ما يطرح تساؤلاً استراتيجياً: هل سيُعلن انتماءه لحزب سياسي، أم ستستفيد الدولة من خبرته التكنوقراطية لتجاوز القيود الحزبية، كما حدث مع سعد الدين العثماني بعد فشل عبد الإله بنكيران في تشكيل الحكومة الثانية؟

في نهاية المطاف، يشير تحليل الدكتور حفيظ الزهري إلى أن المغرب أمام مفترق حقيقي: هل ستستمر الأطر التقليدية في تشكيل الحكومة، أم سيبرز التكنوقراطي القادر على مواجهة التحديات الكبرى ليقود المرحلة المقبلة؟ سؤال يفرض نفسه على كل المتابعين للشأن السياسي، ويفتح زوايا جديدة لفهم ديناميات السلطة والاختيار الملكي في المغرب.