تحوّلت سهرة “الهولوغرام” التي خُصصت لتكريم الفنان الراحل عبد الحليم حافظ ضمن فعاليات “مهرجان موازين” إلى قضية رأي عام فني وقانوني وأخلاقي، بعد أن فتحت عائلة الفنان النار على إدارة المهرجان، واصفة العرض بـ”المسخ”، ومتوعدة باللجوء إلى القضاء، بينما أعلنت شركة تقنية متخصصة امتلاكها الحقوق الحصرية للعروض الهولوغرافية للفنان، وبدأت بدورها إجراءات قضائية متعددة الجنسيات.
الحدث: تكريم أم انتهاك؟
كان من المفترض أن يشكل العرض الذي احتضنه المسرح الوطني محمد الخامس لحظة فنية استثنائية تعيد تقديم عبد الحليم لجمهور جديد بتقنيات عصرية. غير أن النتيجة جاءت – بحسب العائلة والمتخصصين – عكس المرجو.
فـ”الصورة الرديئة”، و”المؤثرات الركيكة”، و”التمثيل الكاريكاتوري” لشخصية عبد الحليم، أثارت غضب الورثة ومحبي “العندليب الأسمر”، ودفعت محمد شبانة، نجل شقيقه، إلى القول: “هذا ليس عبد الحليم، بل أراجوز يشوّه إرثه”، مضيفًا أن الأسرة لم تمنح أي تصريح، ما يعني أن ما وقع يمثل انتهاكًا للحقوق الأدبية والمادية.
البنية القانونية للنزاع: تعدد الجهات وتضارب المصالح
في موازاة هذا، أعلنت شركة XtendVision، التي كانت طرفًا تقنيًا مفترضًا في العرض الأصلي، انسحابها من المشاركة بعد “إخلالات تنظيمية” من طرف إدارة المهرجان، أهمها قصر وقت التحضير وفرض قاعة غير ملائمة. لكن ما فجّر الأزمة هو أن العرض قدّم لاحقًا من قبل شركة أخرى سبق – حسب XtendVision – سحب ترخيصها لاستعمال صورة عبد الحليم، ما اعتُبر تجاوزًا خطيرًا للحقوق الحصرية التي تمتلكها الشركة الأولى بتفويض رسمي من ورثة الفنان.
والأخطر أن الأمر لن يتوقف على المغرب، إذ أعلنت الشركة شروعها في إجراءات قانونية موازية في مصر والإمارات، مع تقديم مطالب تعويض قد تتجاوز مليون دولار، ما يهدد المهرجان ليس فقط بصدمة معنوية، بل أيضًا بارتدادات مالية وقانونية قد تمتد سنوات.
الإسقاطات الرمزية: تآكل شرعية المهرجان؟
يتجاوز المشكل هنا نطاق الحقوق الفنية إلى رمزية عبد الحليم حافظ في الوعي العربي الجماعي، وضرورة التعاطي مع إرثه – وغيره من رموز الفن – بقدر كبير من الحساسية، خاصة حين يتعلق الأمر بإعادة تجسيدهم عبر تقنيات جديدة. فالعرض بدا، حسب تعبير كثيرين، مهينًا لا تكريميًا، وجاء في سياق دورة اعتُبرت أصلًا مرتبكة وضعيفة الإعداد.
ذلك أن مهرجان “موازين”، الذي يحتفل بمرور عشرين سنة على انطلاقه، عرف في هذه الدورة فوضى في البرمجة، تأخرًا في العروض، شكاوى تقنية متكررة، جدلاً حول بيع التذاكر في السوق السوداء، وقرارات تنظيمية غير مفهومة، ما جعله عرضة لاتهامات بالفشل في تجديد أدواته ومفاهيمه.
ما بين التقدير والإدانة: ما له وما عليه
من الناحية الإيجابية، يظل مهرجان “موازين” واجهة دبلوماسية ثقافية فريدة للمغرب، ساهم على مدى سنوات في استقطاب نجوم من مختلف أنحاء العالم، وفي تقديم صورة منفتحة وحداثية عن البلد. غير أن هذه المكانة الرمزية لا تعفيه من الالتزام بالمسؤولية المؤسساتية والفنية، خصوصًا حين يتعلق الأمر بحقوق فنانين راحلين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.
في المقابل، فإن الخطأ الجسيم الذي وقع – سواء كان ناتجًا عن إهمال أو عن سوء تقدير – يضع مصداقية المهرجان على المحك، وقد يفتح الباب أمام مطالبات بإعادة هيكلة شاملة للحوكمة الفنية، تشمل آليات التعاقد، ضمانات حقوق المؤلفين، وضمان الاحترافية في استعمال التقنيات الرقمية.
خلاصة تحليلية
إن عرض “هولوغرام عبد الحليم” في “موازين” لم يكن مجرد سهرة غنائية، بل مرآة تعكس إشكالات مركبة في إدارة الثقافة والفن في المغرب والمنطقة. من حق الجمهور أن ينبهر بالتكنولوجيا، ومن حق المهرجانات أن تطمح لتجارب جريئة، لكن يبقى الأهم هو احترام الرموز، والحقوق، والذاكرة الجماعية.
في نهاية المطاف، قد تمثل هذه الأزمة فرصة لإعادة ضبط البوصلة داخل المؤسسة المشرفة على المهرجان، وتأكيد أن الحداثة لا تكون على حساب الأخلاق، وأن تكريم الكبار لا يعني استغلالهم… ولو على شكل هولوغرام.
ملاحظة مهمة: هذا التحليل لا يُعد حكمًا قضائيًا ولا تبنيًا لرواية جهة على حساب أخرى، بل قراءة صحافية في قضية رأي عام.