وزارة الصحة تشدد على الانضباط لضمان جودة الخدمات.. لكن هل تكفي الإجراءات في مواجهة غضب الشارع وأزمة المستشفيات؟

0
277
صورة: موقع وزارة الصحة

من أكادير إلى الناظور مروراً بالصويرة، خرج آلاف المغاربة إلى الشارع محتجين أمام المستشفيات العمومية، هاتفين ضد ما وصفوه بـ«الإهمال» و«الموت المجاني». وفي الوقت الذي تتصاعد فيه قصص مأساوية لنساء حوامل فقدن حياتهن وأسر تنعى أبناءها أمام أبواب المستعجلات، تسارع وزارة الصحة إلى الإعلان عن إجراءات وصفتها بـ«الصارمة» لفرض الانضباط المهني وتحسين صورة القطاع.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: هل تكفي العقوبات التأديبية ومذكرات الانضباط لإخماد الغضب الشعبي واستعادة ثقة المواطن؟ أم أن الأزمة أعمق، وأن المستشفيات المغربية تعيش على وقع انهيار بنيوي تجاوز حدود الغيابات والتأخرات الفردية؟

الوزارة: الانضباط أولاً

في مواجهة هذا الغضب، تسعى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى إظهار أن الوضع تحت السيطرة، معلنة فتح 28 ملفاً تأديبياً في حق أطباء وممرضين وأطر إدارية، وإعفاء مدير مستشفى الحسن الثاني بأكادير ومسؤولين آخرين.

وزير الصحة، أمين التهراوي، أصدر منشوراً جديداً شدد فيه على ضرورة الالتزام الصارم بمواقيت العمل والحضور الفعلي داخل المرافق الصحية، واحترام أنظمة الحراسة والمداومة، وارتداء الزي الرسمي وحمل الشارة التعريفية.

الوزارة اعتبرت أن ما يجري يعود في جزء منه إلى «ممارسات فردية مخالفة»، أبرزها التغيب غير المبرر، والتأخرات المتكررة، ومغادرة مقرات العمل قبل انتهاء الساعات القانونية. وشددت على أنها لن تتساهل مع أي تقصير، داعية الإدارات الجهوية إلى تفعيل الاقتطاعات من الأجور وتحريك مسطرة ترك الوظيفة عند الاقتضاء.

كما طالبت بمراقبة دقيقة للحضور، خاصة داخل أقسام المستعجلات، وتعليق جداول الحراسة في أماكن بارزة، مع إحالتها على الجهات المختصة لتعزيز الشفافية.

الشارع: مأساة يومية لا يوقفها «منشور»

غير أن المحتجين يرون أن الأزمة تتجاوز مسألة الغيابات أو التأخرات، لتكشف عن انهيار بنيوي للمنظومة الصحية. المواطنون تحدثوا عن نقص حاد في الأطر الطبية والتجهيزات، أجهزة معطلة لا تُصلح، اكتظاظ في الأقسام الحيوية، وتأخر في تقديم العلاجات يصل أحياناً إلى حد تهديد حياة المرضى.

الاحتجاجات التي انطلقت من أكادير سرعان ما امتدت إلى مدن أخرى، ما يعكس أن الخلل وطني وليس محلياً. وقد تكررت عبر وسائل التواصل الاجتماعي شهادات مأساوية عن وفيات، خاصة في صفوف النساء الحوامل، ما عمّق مشاعر الغضب واليأس.

أصوات حقوقية تحذر: الأزمة هيكلية

الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة اعتبرت أن الأزمة مرتبطة بـ«اختلالات بنيوية» متراكمة، على رأسها ضعف التمويل، نقص الأطر، غياب التجهيزات الأساسية، وانعدام نظام وطني لتتبع العدوى داخل المستشفيات.

أما دراسات أكاديمية حديثة فقد أشارت إلى أن عدداً من المستشفيات العمومية لا تستغل كامل طاقتها الاستيعابية، فيما تُهدر موارد مالية دون مردودية فعلية، وهو ما يطرح أسئلة محرجة حول كفاءة التسيير والحوكمة داخل القطاع.

الفجوة بين الخطاب والواقع

بينما تروج الوزارة لخطاب «فرض الانضباط» باعتباره المدخل لإصلاح القطاع، يؤكد الشارع أن المعضلة أعمق بكثير.

  • الوزارة تقول: تأديبات، إعفاءات، ومذكرات جديدة.

  • المواطنون يردون: نقص الأطباء، أجهزة معطلة، وقصص مأساوية تتكرر.

  • الحقوقيون يحذرون: الأزمة هيكلية وتحتاج إلى مراجعة جذرية.

وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل تكفي الإجراءات الإدارية لوقف نزيف الثقة بين المواطن والمستشفى العمومي؟

أسئلة مفتوحة أمام الرأي العام

  • لماذا تكتفي الوزارة بإجراءات تأديبية دون نشر تقارير مفصلة حول نتائج التحقيقات؟

  • هل تكفي الإعفاءات لإصلاح الخلل، أم أن المطلوب محاسبة على مستويات أوسع تشمل التسيير الجهوي والوطني؟

  • أين هي خطط الوزارة لتجديد التجهيزات وصيانة الأجهزة الطبية؟

  • كيف ستعالج الحكومة الفوارق الصارخة بين المدن الكبرى والمناطق النائية في الولوج إلى الرعاية الصحية؟

  • متى سترى استراتيجية وطنية شاملة لتأهيل القطاع النور، بعيداً عن الحلول الترقيعية؟

خاتمة

ما يجري أمام المستشفيات المغربية اليوم يمثل لحظة فارقة: إما أن تتحول إلى فرصة لإصلاح حقيقي يقطع مع عقود من التسيب والإهمال، أو أن تبقى مجرد زوبعة عابرة يُجابَه فيها الغضب الشعبي بقرارات إدارية محدودة.

المغاربة لم يعودوا يطالبون فقط بـ«انضباط الموظفين»، بل بحقهم الدستوري في الصحة كخدمة عمومية أساسية تضمن الكرامة والحياة.