مع استمرار فقدان أكثر المغاربة للمصداقية في الإعلام المرئي والمسموع المملوك للدولة، ستظل وسائل الإعلام غير المغربية، ذات الطبيعة الإخبارية، هي المؤثر الحقيقي في مسألة إخبار المغاربة بشؤون وطنهم وأحوالهم العامة، وبالتالي ستظل اللاعب الرئيسي في التأثير على توجهات الرأي العام المغربي.
الرباط – أعلن وزير الثقافة والشباب والرياضة، عثمان الفردوس، عن ولادة هولدينغ إعلامي عمومي تقوده “الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة” (SNRT) ويضم كلا من القناة الثانية (2M) و”ميدي 1 تيفي”.
وفي هذا الإطار، أوضح الفردوس، بحسب ما نقل موقع “الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة” أن الشركة الوطنية “تحولت إلى شركة قابضة، ودخلت رأسمال القناة الثانية بنسبة مائة في المائة ورأسمال قناة ميدي 1”.
وفي عرض قدمه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب حول “استراتيجية تنمية السمعي البصري العمومي”، قال الفردوس إن هيكلة هذا القطب (الإعلام العمومي) “ستتم من خلال الجمع بين “SNRT” و”2M” و”Medi1TV”، وفقا لمنطق يسمح لمساهم الدولة بإدارة ممتلكاته بشكل استراتيجي طبقا لرؤية متكاملة”.
وأبرز الفردوس، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية، أن “أهداف هيكلة القطب العمومي تتمثل في صنع منتوج أفضل من خلال التحسين المستمر، والتركيز على إعلام القرب والمحتوى المحلي، وتسريع التحول الرقمي والتقارب التكنولوجي، فضلا عن الحفاظ على تمويل القطاع السمعي البصري الوطني وترشيد تدخل الدولة لتجديد رأس المال”.
إن الرؤية الجديدة التي يحاول مهندسوا الإعلام في المملكة، بأن يسير الإعلام جنبا إلى جنب مع السياسات المتبعة لنظام المغربي، بحيث يسهر على تقديم المبررات والذرائع اللازمة التي من شأنها تعزيز موقف الرباط تجاه أي قرار ستتخذته أو حرب ستشنتها، رغم أن هذه المبررات غالبا ما تكون واهية وصبيانية، وهذا بالضبط ما حصل قبل اسبوع باستغلال الاف الأطفال في النزوح إلى جيب سبة المحتلة شمال البلاد، وكيف أن الإعلام المغربي تمكن وفي فترة وجيزة جدا من تغيير صورة بعض المسئولين في بعض القطاعات من مسئول أو وزير بسيط إلى بطل لا يشق لا غبار.
يلعب الإعلام دورا مهما في صناعة الخطر المحدق بالشعوب، وهذا الخطر يستلزم بالضرورة التحرك عاجلا لوقفه وتقديم كل التضحيات في سبيل ذلك، هنا تتبلور فكرة السيطرة على الشعوب التي نعتها تشومسكي في كتابه بقيادة القطيع الضال المنساق وراء إملاءات السلطة الحاكمة، ليتحول مع الوقت إلى كراكيز ساكنة تكتفي بالمشاهدة للعملية الديمقراطية فقط لكنها لا تشارك فيها.
وأعتقد أن نقطة ضعف الإعلام هو الإعلام نفسه، بمعنى أن الإعلام يفضح بعضه البعض، ويظهر هذا جليا في البلدان الديمقراطية التي تتنافس فيها المؤسسات الإعلامية محاولة إظهار الحقيقة وفضح الطرف الآخر، وهذا لا نجده طبعا في الدول الشمولية التي لا تقوم أصلا على أسس ديمقراطية، بحيث تميل كلها إلى تكريس قطبية الإعلام، وعدم فتح المجال أمام المنافسة الإعلامية التي تحسن من جودة المعلومة وترفع من نسبة مصداقيتها.
كما أن الدول الشمولية تسعى دائما إلى تتفيه الإعلام وتسفيهه وجعله سطحيا إلى ابعد حد، يُسلط الضوء فقط على قضايا تافهة متناسيا القضايا المصيرية التي تهم الشعوب، حتى ينفرَ الناس منه، ويُعرضون عنه تماماً، وبالتالي يُفسحُ المجالُ أمامه واسعا لاقتياد القطيع المتبقي بالطريقة التي يريدها.
وإعلام الدول الشمولية لا يخرج عن دائرة إعلام اللحظة، أو إعلام الفوضى، فتجده ثابتا على وتيرة واحدة حتى إذا ظهر مستجد شمر على ساعديه ونشط وتحرك وارتفع منسوبه الإعلامي، ودافع ونقّب عن الذرائع والمبررات، ثم في الأحوال العادية سرعان ما يعود إلى روتينه الممل، ورغم تعدد المنابر الإعلامية العربية إلا أنها فاقدة لرسالة الإعلام النبيلة، كونها تقبع تحت وصاية رجال الأعمال والأحزاب السياسية ويحتدم على أثيرها التراشق بالشتائم والكلمات البذيئة، لتضيع قيمة الخبر والمعلومة، وخير دليل على هذا ما يجري اليوم في الإعلام المغربي الذي فقد كل أوراقه الإعلامية، وتحول إلى شيء آخر لا يمتّ للإعلام بصلة.
إن كتاب السيطرة على الإعلام لتشومسكي عزز من فضيحة سيطرة أمريكا وهيمنتها على الإعلام الداخلي والخارجي، وأمريكا لا تلتفت لانتقادات المؤسسات الإعلامية الدولية، فلتقل ما تشاء، المهم لديها أن تسير قدُما في تفعيل مخططاتها على أرض الواقع، لتتحول صدماتها السياسية مع مرور الوقت إلى واقع معاش يتقبله الجميع، أما الإعلام العربي فهو أمام تحديات كبيرة تفرض عليه إعادة هيكلة المنظومة الإعلامية برمتها، وتحويلها من إعلام هدام ينشر التفاهة بين الجمهور ويعمق الهوّة، إلى إعلام هادف يحل الأزمات ويقرب وجهات النظر.