وزير العدل السجل العدلي “أبرز العوائق أمام إعادة الإدماج الاجتماعي بما أنه يعد حاجزا أمام الولوج إلى سوق الشغل”

0
190

قال وزير العدل ، عبداللطيف وهبي ، في كلمة له في افتتاح الدورة العاشرة لبرنامج الجامعة في السجون ،والتي تتمحور  حول ” المخططات الاستراتيجية للتنمية: أي موقع للمؤسسة السجنية “، ،بأن الموضوع :”يحظى براهنية متجددة بالنسبة للمملكة المغربية، ويسائل بعمق مختلف المستويات التشريعية والمؤسساتية والمجتمعية” معتبرا أن المملكة بفضل المقاربة الشمولية لقضايا السجون والسجناء، قطعت أشواط مهمة، حققت خلالها العديد من المكاسب والتراكمات، بفضل إسهام الجميع (قطاعات حكومية، فاعلون اقتصاديون واجتماعيون، مجتمع مدني، إعلام وقوى حية)،  في انسجام تام مع توجيهات العاهل المغربي  الملك محمد السادس .

واوضح الوزير بذات المناسبة ،أن الوزارة :” تدرك جيدا أن ما تحقق على درب تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسجناء، وأنسنة ظروف الاعتقال، وتهييئ الشروط المواتية لإعادة الإدماج، والرفع من نسب التكوين والتأهيل وتنويعها، وكذلك تحديث الإدارة السجنية وتأهيل وتكوين الموارد البشرية وغيرها… يعد كثيرا ومشرفا؛ غير أنه، وبنفس اليقين نعلم جيدا أن الحاجيات لاتزال كبرى، والطريق لايزال شاقا وطويلا، ويزداد تعقيدا وصعوبة مع الارتفاع المسترسل في عدد السجناء خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يتطلب من جميع المعنيين، ضرورة تظافر الجهود وتعزيز الطاقات، كل من زاوية اختصاصاته ومهامه، للدفع بالأوراش المفتوحة داخل السجون نحو التنزيل الأسلم والناجع، لاسيما ورش الأنسنة، وورش تحسين البنية التحتية وتأهيل المعتقلين وإعادة الإدماج، وورش تحديث الإدارة وعصرنة الموارد البشرية”.

وأشار إلى أن أهمية المقاربة القانونية والتي تظل حجر الزاوية في كل السياسات العمومية التي تروم النهوض بأوضاع المواطنين بما فيهم فئة السجناء، ووعد بأن وزارة العدل:” لن تدخر جهدا في العناية بهذا المجال، ولعل مدخله هو ما يثار من ملاحظات على دور وثيقة السجل العدلي في مجال إعادة إدماج السجناء، حيث تعد من أبرز العوائق أمام إعادة الإدماج الاجتماعي بما أنه يعد حاجزا أمام الولوج إلى سوق الشغل، ويساهم في التقليص من فرص تشغيل السجناء المفرج عنهم؛ وعلى الرغم مما تكتسيه هذه الوثيقة من أهمية بالغة في سير نظام العدالة الجنائية، إلا أنها في صيغتها واستخداماتها الحالية تعتبر عقبة حقيقية أمام جميع أنظمة العقوبات عبر العالم، كما تعكس قطيعة بين خطاب إعادة الإدماج والواقع القانوني، وهي الاكراهات التي حاولت الأنظمة المقارنة إيجاد حلول لها: إما من خلال التنصيص صراحة ضمن تشريعات الشغل على منع طلب وثيقة السجل العدلي أثناء الولوج للمهن، أو من خلال مراجعة منظومتها الجنائية الإجرائية وإدراج بعض الاستثناءات بما يسمح بإعادة إدماج السجناء في الوسط الاقتصادي والاجتماعي”.

اكتظاظ شديد في السجون يطرح تحديات

تسجيل رقم قياسي في عدد السجناء في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع 89 ألفاً و711 سجيناً في مقابل 84 ألفاً و990 في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، أي بزيادة تتجاوز نسبتها خمسة في المائة في خلال تسعة أشهر. وعلى الرغم من تحسّن ظروف الإقامة والخدمات اللوجستية وبرامج التأهيل داخل السجون المغربية في خلال السنوات الأخيرة، فإنّ الارتفاع القياسي في عدد السجناء يطرح تحديات على مسؤولي إدارة السجون في البلاد في ما يخصّ تطبيق سياسة إعادة الدمج والحفاظ على كرامة السجين. كذلك يثير الاكتظاظ أكثر من علامة استفهام حول الأسباب الكامنة وراءه.

في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دقّ المندوب العام لإدارة السجون محمد صالح التامك، في خلال تقديمه مشروع موازنة المندوبية العامة للسجون أمام لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، ناقوس الخطر بسبب الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، وقد وصفه بأنّه “إكراه يشكّل تحدياً مهماً بالنسبة إلى المندوبية العامة للعمل وفق الإمكانيات المتاحة لديها على تنزيل برامج العمل المسطرة واستكمال الورش المفتوحة وبلوغ الأهداف المتوخّاة في إطار توجهاتها الاستراتيجية، وذلك بما يكفل تنفيذ المقررات القضائية السالبة للحرية في احترام تام لحقوق المعتقلين والمساهمة بفعالية في تأهيلهم لإعادة الدمج”.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، يشار بالاكتظاظ إلى الحالة التي يتجاوز فيها عدد السجناء السعة الرسمية للسجون، ويتمّ حساب نسبة الاكتظاظ وفق الجزء من الإشغال الذي يتعدّى 100 في المائة من نسبة الاستيعاب، وفي العادة يمكن القول إنّ 120 في المائة هو اكتظاظ خطير.  

وتشير تقارير منظمات حقوقية، منها المرصد المغربي للسجون، إلى أنّ نسبة الإشغال تبلغ 113 في المائة، وتصل إلى أكثر من 200 في المائة في بعض المؤسسات السجنية. من جهته، كان تقرير برلماني نُشر في يوليو/ تموز الماضي حول أوضاع السجون شمل ثلاث مؤسسات سجنية، قد لفت إلى أنّ الاكتظاظ أزمة مستمرّة في ظلّ مواصلة اعتماد آلية الاعتقال الاحتياطي من دون ترشيد وعدم توفير بدائل للعقوبات السجنية.

يقول الناشط الحقوقي المغربي محمد الزهاري لـ”العربي الجديد” إنّ “الاكتظاظ يجعل المساحة المخصّصة لكلّ معتقل تقلّ كثيراً عن المعايير الدنيا، بما يزيد تفاقم العنف في داخل السجون ويجعل الولوج إلى الخدمات الصحية والعلاج محدوداً، وعملية التربية وإعادة الإدماج متدنية نتيجة ضعف البنى ونقص التجهيزات”. يضيف الزهاري أنّ “هذا الوضع الذي يتقاسمه السجناء المحكومون والسجناء المعتقلون احتياطياً، يحوّل فضاء السجن إلى جحيم حقيقي يتكدّس فيه السجناء كسلعة لا كبشر لا بدّ من أن تُوفَّر لهم الكرامة الإنسانية بغضّ النظر عمّا ارتكبوه في حقّ المجتمع”.

من جهته، يرى الرئيس السابق للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب المغربي توفيق ميموني أنّ “مشكلة الاكتظاظ في داخل السجون المغربية يكاد ينسف كلّ الجهود المبذولة للنهوض بالمؤسسات السجنية”، لافتاً في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى أنّ “هذه المشكلة الخطيرة لا تتحمّلها إدارة السجون وحدها بل لها أسباب متعددة أبرزها ارتفاع نسبة الجريمة التي تؤدّي إلى ارتفاع عدد السجناء، خصوصاً المعتقلين احتياطياً”.

89 ألفاً و711 سجيناً في المغرب بحسب البيانات الأخيرة (فاضل سنّا/ فرانس برس)

وبالنسبة إلى نائب رئيس المرصد المغربي للسجون (منظمة غير حكومية) عبد الرحيم الجامعي، فإنّ “الاعتقال الاحتياطي والاكتظاظ داخل السجون مشكلتان مرتبطتان بأمرَين أساسيَّين، أوّلهما مضمون السياسة الجنائية الذي لم يحقّق التقدّم المطلوب، وثانيهما عدم العمل على تنسيب السياسة الجنائية”. ويؤكد لـ”العربي الجديد ” أنّه “لو كانت ثمّة سياسة جنائية بمضمون حقوقي ثقافي وعقلاني، لما أعطت الانطباع على أنّها سياسة تعتمد على المقاربة القاسية للعقاب”. يضيف الجامعي أنّ “مشكلة الاكتظاظ في السجون ظلّت مطروحة على الرغم من السياق الخاص بأزمة كورونا والعفو الذي شمل آلاف السجناء في عام 2020″، لافتاً إلى أنّ “نسبة الاعتقال الاحتياطي في المؤسسات السجنية وصلت إلى 46 في المائة، وهو ما يتطلب معالجة بحلول جذرية من خلال رفع العقوبة الحبسية على عدد من المخالفات والجنح وكذلك خفض مدّة الاعتقال الاحتياطي بدلاً من تجميد الملفات سنة كاملة من دون النظر فيها”.

ويُقصد بالاعتقال الاحتياطي في القانون المغربي إيداع الأشخاص في السجون من دون صدور أيّ حكم قضائي في حقّهم، وذلك إمّا لاستكمال مرحلة التحقيق وإمّا في انتظار استكمال محاكمتهم. وترمي النيابة العامة كُرة ارتفاع نسب المعتقلين احتياطياً في ملعب قضاة الأحكام، مشدّدة على أنّها “تحرص على عدم تفعيل الاعتقال الاحتياطي إلا في بعض الملفات التي تتّخذ نوعاً من الخطورة”. وتشرح النيابة العامة أنّ “الاعتقال الاحتياطي يجري وفقاً لمعايير دقيقة، وبالضبط حينما يتبيّن أنّ تدابير المراقبة القضائية غير كافية، أو إن كان مثول المتابع أمام القضاء وهو في حالة سراح من شأنه التأثير على حسن سير العدالة”.

في المغرب 78 مؤسسة سجنية (فاضل سنّا/ فرانس برس)

وفي هذا الإطار، يطالب الجامعي بـ”تنسيب السياسة الجنائية بدلاً من السياسة المعتمدة على توسيع الاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية”، محمّلاً مسؤولية ذلك إلى “النيابة العامة وقضاة التحقيق باعتبارهما الجهتَين صاحبتَي اليد الطولى في مجال الأمر بالإيداع في السجون”. ويأتي ذلك في وقت كشف فيه وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي أخيراً أنّ الحكومة تتّجه نحو ترشيد الاعتقال الاحتياطي الذي يُعَدّ العامل الأوّل في اكتظاظ السجون، لافتاً إلى أنّ قانون المسطرة الجنائية الذي يُتوقّع إقراره قريباً يشترط اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي بعد استنفاد كلّ البدائل الأخرى المتاحة كالمنع من مغادرة التراب الوطني أو وضع المتهم تحت الرقابة الإلكترونية.

تجدر الإشارة إلى أنّ في المغرب 78 مؤسسة سجنية، منها 66 سجناً محلياً وسبعة سجون فلاحية بالإضافة إلى سجنَين مركزيَّين وثلاثة مراكز للإصلاح والتهذيب، وهي موزّعة على مجموع التراب المغربي. وبحسب تقرير لإدارة السجون، أنشئت في عام 2020 ثلاثة سجون محلية في مدن بركان والعرائش ووجدة بطاقة استيعابية إجمالية تقدّر بـ4400 سرير، في مقابل إغلاق السجنَين القديمَين في بركان ووجدة والسجن المحلي في القصر الكبير.

وتواصلت في العام نفسه أشغال بناء مؤسّستَين سجنيّتَين في كلّ من أصيلة والجديدة بطاقة استيعابية إجمالية تقدّر بـ3000 سرير، وإطلاق أشغال بناء مؤسستَين سجنيّتَين في كلّ من الداخلة والعيون بطاقة تقدر بـ3000 سرير. وقد مكّنت هذه الإجراءات وغيرها من تحسين الطاقة الإجمالية للإيواء، لتبلغ 169 ألفاً و399 متراً مربّعاً في عام 2020 في مقابل 160 ألفاً و413 متراً مربّعاً في عام 2019، وبذلك انتقلت المساحة المخصّصة لكلّ سجين من 1.85 متر مربّع إلى مترَين مربّعَين وانخفضت نسبة الاكتظاظ من 38 في المائة إلى 33 في المائة ما بين العامَين المذكورَين.