بعد سنوات من التقارير الدولية والمحلية التي تضع المغرب في مراتب متأخرة عالميا في مجال تفشي الفساد المالي، لم تنجح الرباط في إحراز أي تقدم في هذا المجال.
الرباط – قال وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، في كلمة رداً على سؤال فريق “الاتحاد الاشتراكي ” (معارضة) بمجلس النواب، إن تجريم الإثراء غير المشروع كلمة حق يراد منها باطل، أن الإثراء غير المشروع قصة اختلقت.
وأضاف في جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، اليوم الاثنين ” القانون الجنائي كله يتكلم عن الإثراء غير المشروع، والمسطرة الجنائية تنص على قرينة البراءة، مما يتطلب التوازن المساءلة وقرينة البراءة”.
وأضاف “الفساد كان دائما في المغرب، والناس المعقولين كانوا دائما في المغرب، ونحن مجتمع فيه الصالح والطالح”.
وزاد “الأحزاب تمثل مجتمعيها وهي أيضا فيها الصالح والطالح، فلماذا نحكم على المغاربة أنهم فاسدين وكل من يمتلكون الأموال أنهم لصوص يستحقون السجن والمحاكمة؟”.
وأكمل بالقول “لا نحتاج من أي كان أن يعطينا دروسا في الأخلاق، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر، شعبنا فيه المزيان والخائب ولذلك تأسست الدولة، كي تحمي الجيدين وترمي الطالحين للسجن”.
وأكد وهبي أنه لا يقبل المزايدات واتهام الجميع بالفساد، متسائلا ألم يكن في السنوات الفارطة فساد، وكم من واحد دخل السجن بتهم فساد اليوم، فقط ظهر لنا الفساد، على حد تعبيره.
على مدى ثلاثة عقود ماضية تقوت شوكة الفساد واستشرى نفوذ أصحابه حتى طاول قطاعات حسّاسة، أصبح يصعُب معها محاربته، بالرغم من كل الإجراءات القانونية والهيئات الرسمية التي وضعتها الدولة لمحاربته، بما أنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية لمواجهة كل أشكال الريع و”الفساد والمحسوبية والزبونية والمزاجية “الذي تحوّل إلى “دولة داخل الدولة” له حرّاسه وحماته.
ففي ظل السنوات الأربع الماضية، فقد المغرب ما يزيد عن خمس نقاط في مؤشّر محاربة الفساد وتراجع مركزه عالميا إلى الخلف 21 درجة، حتى بات يحتل المركز 94 عالميا، بالرغم من وجود هيئة رسمية وقوانين وإجراءات ونيات حسنة في الخطابات الرسمية لمحاربته واجتثاثه.
المغرب اليوم أمام رهان حقيقي لمحاربة الفساد الذي كانت تصل كلفته السنوية، قبل أربع سنوات، وهي في ارتفاع مستمر، إلى نسبة 5% من الناتج الداخلي الخام، أو ما يعادل خمسة مليارات ونصف مليار دولار سنويا، حسب أكثر التقديرات تواضعا وموثوقية. وما زالت محاربة هذه الظاهرة تحتاج كثيرا من الشجاعة والجرأة لاستعادة ثقة الناس في خطاب السلطة وفي المؤسّسات العمومية وفي السياسة والسياسيين بصفة عامة، حتى لا تتحوّل جهود الدولة في محاربة هذه الآفة إلى مجرّد حملات دعائية، سرعان ما ينتهي مفعولها مثل أقراص تهدئة الصداع تُسَكِّنه للحظة، لكنها لا تعالج أسبابه التي تظلّ تنخر الجسد من الداخل حتى تُنهكه وربما تقتل صاحبه!
فبراير الماضي ، كشف محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أمام لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب المغربي، إن المملكة لم تحسن ترتيبها في مؤشرات مدركات الفساد على مدى العقدين الماضيين، مشيرا إلى أن “تطور وضعية الفساد بالمغرب يؤكد استمرار الوضع غير المُرْضي”.
بدوره ، يقول الناشط الحقوقي، الكبير الميلودي، في تصريح صحفي سابق، إن كل التقارير، وبيانات المجتمع المدني وبعض الهيئات النقابية والسياسية التي تشير إلى الفساد المستشري في المغرب لم تحل دون وجود المغرب في ذيل قائمة مدركات الفساد في العالم.
ويستمر الوضع، بحسب الميلودي، رغم وجود “التنصيص الدستوري على أهمية وجود بعض الهيئات، كمجلس المنافسة وهيأة النزاهة و الوقاية من الرشوة، في دستور 2011، ورغم أن المغرب وقع على الاتفاقية الأممية لمحكافحة الفساد في أول يوم عرضت فيه للتوقيع في 9 ديسمبر 2003”.
ويشير عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى أن المغرب لم يقطع ولم يتخل عن ظاهرة الفساد، ولم يتحسن ترتيبه ضمن التقارير ذات الصلة لأن الظاهرة بنيوية ومرتبطة بطبيعة النظام القائم على عدم الفصل بين السلط وعلى انعدام الديمقراطية وغياب الشفافية ومبدأ عدم الإفلات من العقاب.
العام الماضي، كشف تقرير رسمي مغربي ارتفاع حالات الاشتباه في جرائم غسل الأموال في المملكة بزيادة كبيرة مقارنة بمخرجات آخر تقرير يعود لعام 2020.
وقدمت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تقريرها السنوي لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وكشفت تلقيها، خلال عام 2021، ما مجموعه 3409 تصاريح بالاشتباه بحالات مرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويشير التقرير إلى أن العام 2112 شهد ما مجموعه 3363 تصريحا مرتبطا بغسل الأموال، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 59 في المئة مقارنة مع سنة 2020.
وسبق لمنظمة الشفافية الدولية في المغرب أن انتقدت في 2020 “تقاعس” البرلمان المغربي في تبني مشروع قانون يجرم الإثراء غير المشروع للموظفين المكلفين بمهام رسمية، داعية إلى ضرورة تضمينه عقوبات بالسجن في حق الأشخاص الذين يثبت اختلاسهم أموالا عمومية.
وكشفت دراسة للمنظمة غير الحكومية التي تعنى بمحاربة الرشوة في تقرير سابق، أن 74 في المئة من المستجوبين يعتبرون أن الحكومة لم تقم بعمل جيد لمكافحة الفساد في سنة 2019، بينما لم تكن هذه النسبة تزيد عن 64 بالمئة في 2015.
ويبدي محمد المسكاوي، من الشبكة الوطنية لحماية المال العام، أسفه في تصريحات صحفية لتراجع المغرب بنقطة في مؤشر الشفافية الدولية الأخير من الرتبة 39 في 2021 إلى الرتبة 38 في آخر تقرير.
وبحسب المسكاوي فهذا الترتيب يعد متأخرا لأن الترتيب المتوسط على الأقل هو 50، ما يعني تراجع المؤشرات لصالح الفساد في المغرب.
ويلوم المسكاوي الحكومة لأنها لم تبادر بإجراءات لمكافحة الظاهرة، فرئيس الحكومة “منذ توليه منصبه لم يجتمع مع رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي يترأسها بحكم القانون”، وعلى المستوى القانوني أيضا ليس هناك تشريع قانوني لتجويد محاربة الفساد، بحسب تعبيره.
ويتابع أن الحكومة سحبت مشروع قانون يضم في بنوده تجريم الإثراء غير المشروع.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية حول إدراك الفساد، فإن المغرب فقد 7 نقط في سنة 2022 بالمقارنة بـ 2021، و فقد 14 نقطة بالمقارنة بـ 2019. يعني انتقل من المرتبة 80 سنة 2019، إلى المرتبة 87 سنة 2021 إلى الصف 94 سنة 2022 من بين 180 دولة التي يشملها التقرير.