أسلوب وزير العدل في الرد على المشككين في نتائج الاختبارات، هو الذي زاد الطين بلة، وعزز من الشكوك، إذ أنه وبدلا من التعاطي بصورة إيجابية، مع المنتقدين و المشككين، انخرط في معركة لتسفيه آرائهم والتقليل من شأنها..
في هذا الصدد ، عاد وزير العدل عبد اللطيف وهبي ليهاجم من جديد الطلبة الراسبين في امتحان المحاماة ، واصفا إياهم بـ”الكمشة”، و”الأطفال” و”الذين يتقنون الزعيق”، مشيرا إلى أنه سيتحملهم كي لا يزج بهم في المحاكم.
واعتبر وهبي خلال حضوره ضيفا على وكالة الأنباء الرسمية أنه “خُلقت أقاويل كثير للمساس بالامتحانات، لأن هناك كمشة سقطت في الامتحان عليها أن تهين 2000 طالب نجحوا، وتفسد عليهم فرحتهم”.
وأضاف المتحدث أن الشكايات التي تقدم بها الراسبون لا تتضمن اي معطيات ووقائع، بل تضم فقط ادعاءات ومزاعم، موضحا أن أنه لا يمكن للوكيل العام فتح بحث بالادعاءات والمزاعم، بل بناء على المعطيات.
وقال وهبي إن هؤلاء الطلبة فشلوا في شكاياتهم، فحين نكتب شكاية جنائية يجب تحديد الوقائع بالتدقيق والمعطيات، والشكايات كان ينبغي أن تتضمن معطيات حول ابنة النقيب التي نجحت بإجازة في الاقتصاد واسمها وأين اجتازت وكيف، وإذا نجح طلبة غير مسجلين ما أسماؤهم وما أرقامهم، وإذا كان هناك تسريب من سرب وفي أي ساعة وهل قبل أو بعد الامتحان…”.
وأمام هذه الشكايات، قال وهبي إن هناك حلان؛ “إما أن أقوم بشكاية مضادة بالقذف والوشاية الكاذبة والمساس بالاحترام الواجب لمؤسسات الدولة، أو أسكت على الموضوع”.
وأضاف “هؤلاء الشباب رغم أنهم أخطأوا أبناؤنا والزمن سيعلمهم، ومن يتقنون الزعيق وليس الحقيقة سأتحملهم لكي لا أزج بهؤلاء الأطفال في المحاكم”.
ونفى وهبي خلال ذات اللقاء وجود ابنة نقيب او غيرها اجتازت الامتحان بإجازة في الاقتصاد، وأضاف “لنفترض جدلا ذلك، كيف ستلج إلى المحاماة، وهناك نقابات، والوكيل العام يراقب ملفات الترشيح، بحثنا ولا نزال نبحث ولا وجود لهذه الحالة”.
وتعود بداية القصة إلى أوائل كانون الثاني/ يناير الجاري، حين أعلنت نتائج اختبارات المحامين، وكشف عن أن لوائح الناجحين في تلك الاختبارات، تضم أسماء نجل وزير العدل المغربي وأقارب له، وأبناء لمحامين ومسؤولين في وزارة العدل، إضافة إلى برلمانيين سابقين وحاليين، وما لبثت القضية أن تحولت إلى قضية رأي عام، في ظل اتهامات تتعلق بانعدام الشفافية والنزاهة ، فيما أخذ الجدل بشأنها، يتحول إلى الساحة الدولية، بعد أن تناولتها وسائل إعلام أجنبية بالتعليق.
ولمزيد من التوضيح لغير المغاربة، فإن مهنة المحاماة في المغرب، هي مهنة حرة، ولايعد التوظيف بها من اختصاصات الدولة، لكن مهمة الحكومة ممثلة في وزارة العدل، تختص بالجانب التنظيمي فقط، إذ أنها تقوم بتنظيم اختبارات منح الرخص لممارسة المهنة، في تعاون مع القضاة والمحامين، وتعين اللجنة التي تشرف على تلك الاختبارات، كما تحدد عدد الرخص التي ستمنح للمحامين الجدد،في كل مرة تجري فيها تلك الاختبارات، والتي أثير بشأنها الجدل هذه المرة.
ارتفع صوت المحتجين، ومعظمهم من الذين فشلوا، في اجتياز تلك الاختبارات وذويهم، بالحديث عن محاباة ومحسوبية، شهدتها تلك الاختبارات، لصالح أبناء محامين ومستشارين، ومسؤولين سياسيين سابقين وحاليين، نظرا لما تضمنته قائمة الناجحين، من أسماء ذات قرابة عائلية، بهؤلاء المحامين أو المسؤولين، وقد نظم عدد من المتنافسين الراسبين في تلك الاختبارات، احتجاجا يوم الثلاثاء الماضي، أمام مقر البرلمان المغربي، مطالبين بفتح تحقيق في تلك النتائج وإبطالها، وإعادة تصحيح الأوراق.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، واصل الرافضون لتلك النتائج حملتهم، عبر هاشتاج #مباراة المحاباة وليس المحاماة، مشككين في نتائج الاختبارات، ومنددين بما وصفوه بمحاولات “توريث” مهنة المحاماة، لأبناء العائلات المتنفذة في البلاد، في وقت يتم فيه إقصاء أبناء الطبقات الفقيرة، حتى وإن كانوا من المتميزين.
من جانبها ناشدت ريم شباط، النائبة بالبرلمان المغربي عن حزب جبهة القوى الديمقراطية، وزير العدل بإلغاء نتائج الاختبارات، وإعادة إجرائها في صورة أكثر شفافية ووضوحا، ومحاسبة المتورطين في إجرائها.
وقالت النائبة المغربية في سؤال كتابي للوزير إن “نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، خلفت موجة استياء وتذمر كبيرة في أوساط الطلبة والمواطنات والمواطنين المغاربة، بسبب لائحة الناجحين في امتحانات مهنة المحاماة، فأغلبهم أبناء مسؤولين ومحامين وسياسيين”
مدافعون عن النتائج
على الجانب الآخر، هناك من يرى أن المشككين في نتائج الاختبارات، ليس لديهم دليل، سوى أن هناك عددا من الناجحين، هم أبناء محامين ومسؤولين، وأن كون الشخص ابنا لمحامي أو مسؤول سابق أو حالي، لايجب أن يمنعه من التنافس في تلك الاختبارات، ولايعني بأي حال من الأحوال، أنه لا يتمتع بالكفاءة المطلوبة، بل أنه قد يكون اجتاز الاختبارات عن جدارة.
وكان الناجحون في تلك الاختبارات المثيرة للجدل، قد عبروا عن هذا الرأي في بيان لهم، رافضين ما وصفوه بالاتهامات الخطيرة الموجهة لهم، واعتبروا أن “قرابة مرشح بمسؤول أو قاضٍ أو محامٍ ليست من موانع اجتياز الامتحان ولا نافية للكفاءة العلمية، ولا ماسة بالأخلاق الحميدة، ولا خارقة للنظام العام”.
وكان لافتا أيضا في هذا السياق، البيان الذي أصدرته جمعية “هيئات المحامين بالمغرب”، والذي أكدت فيه على نزاهة اختبارات مزاولة مهنة المحاماة محل الجدل، كما عبرت عن رفضها لما وصفته بـ”استغلال” نتائج الاختبارات لـ”استهداف المهنة وكيل الاتهامات للمؤسسات المهنية والطعن في مصداقيتها”.
غياب موقف حكومي.