وزير مالي: الجزائر تدعم الإرهاب في مالي – اتهامات علنية وتصعيد سياسي في الأمم المتحدة

0
104

تفاقمت الأزمة السياسية بين مالي والجزائر لتصل إلى الأمم المتحدة، حيث شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مناوشات دبلوماسية حادة بين وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ووزير الدولة المالي العقيد عبد الله مايغا.




وجاء ذلك على خلفية اتهامات متبادلة تتعلق بدعم الإرهاب وسوء الجوار، مما يسلط الضوء على التوتر المتصاعد بين البلدين ويطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل الاستقرار في منطقة الساحل وشمال أفريقيا.

جذور الأزمة: تاريخ طويل من التوترات

على الرغم من أن العلاقات بين مالي والجزائر كانت متوترة منذ فترة، إلا أن الاتهامات الأخيرة التي وجهها مايغا للجزائر بـ”إيواء الإرهابيين” شكلت نقطة تحول في هذا الصراع. إذ اتهم مايغا الجزائر بعدم احترام حسن الجوار والمساهمة في زعزعة استقرار مالي من خلال دعم الجماعات المسلحة التي تهدد أمن البلاد، بينما رد عطاف بتصريحات قوية واصفاً ما قيل بأنه “لغة دنيئة وقليلة الأدب”. هذه التراشقات العلنية تعكس حجم الهوة المتزايدة بين البلدين.

أبعاد الأزمة: هل تتجاوز حدود الصراع الثنائي؟

على الرغم من أن الأزمة تبدو في ظاهرها مشكلة بين دولتين فقط، إلا أن التبعات قد تتجاوز ذلك لتؤثر على مجمل المنطقة. الجزائر، التي تعتبر لاعبًا رئيسيًا في الوساطة بين الجماعات المسلحة في شمال مالي منذ سنوات، تجد نفسها اليوم في موقف دفاعي، بعد أن كانت تروّج لدورها كضامن للاستقرار في منطقة الساحل.

هنا يبرز السؤال: هل تحولت الجزائر إلى جزء من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءًا من الحل؟ الجزائر، التي تتدخل بشكل نشط في قضايا المنطقة، قد تكون ساهمت في تعقيد الصراعات الداخلية في دول مثل مالي وليبيا. ومن خلال دعمها لجماعات معينة، قد تجد نفسها متورطة في مزيد من الأزمات.

العلاقات الثنائية: انعكاسات على الجوار

الأزمة الحالية بين مالي والجزائر تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة للجزائر، حيث تعاني من توترات دبلوماسية مع عدة دول أخرى في المنطقة، وعلى رأسها المغرب. هذا الصراع يثير تساؤلات حول مدى قدرة الجزائر على الحفاظ على علاقات صحية مع جيرانها، خاصة في ظل تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية.

هل يمكن أن تؤدي هذه الأزمة إلى عزل الجزائر إقليميًا؟ الجزائر تجد نفسها في موقف حرج، حيث تعاني من توترات مع دول متعددة، مما يطرح تساؤلات حول قدرتها على مواجهة التحديات الدبلوماسية المتزايدة في جوارها.

التداعيات الإقليمية: تأثير الأزمة على الساحل وشمال أفريقيا

من المؤكد أن أي تصعيد في الأزمة بين مالي والجزائر سيؤثر على استقرار منطقة الساحل وشمال أفريقيا بشكل أوسع. هل ستؤدي هذه الأزمة إلى تفاقم الصراعات القائمة في المنطقة؟ من المعروف أن منطقة الساحل تعتبر واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، حيث تتداخل فيها مشاكل الإرهاب، والنزاعات المسلحة، وانعدام الاستقرار السياسي.

إذا استمرت الجزائر في تبني مواقف متشددة، فقد تسهم في تأجيج هذه الأزمات بدلًا من تهدئتها. كما أن تأثيراتها قد تمتد لتشمل التوازنات السياسية في المنطقة، مما يزيد من تعقيد العلاقات بين دول الساحل وشمال أفريقيا.

هل الجزائر جزء من معاناة الساحل؟

منذ عقود، تروّج الجزائر لنفسها كلاعب إقليمي يسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، يمكن القول إن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول الساحل، بما في ذلك مالي، قد أسهمت في تعميق الأزمات بدلًا من حلها. هل أصبحت الجزائر، التي تدّعي محاربة الإرهاب، جزءًا من المشكلة؟ هذه التساؤلات تثير المزيد من الشكوك حول نوايا الجزائر وأهدافها في المنطقة.

الجزائر والمغرب: هل الصراع الإقليمي يُعمّق الأزمة؟

العلاقة المتوترة بين الجزائر والمغرب تُلقي بظلالها على كل الأحداث في المنطقة. هل ساهم هذا الصراع الإقليمي المفتعل في تأجيج أزمات الساحل؟ الجزائر، التي ظلت تفتعل صراعات مع المغرب منذ عقدين، قد تجد نفسها اليوم في موقف صعب وهي تتعامل مع عدة جبهات دبلوماسية ملتهبة، مما يزيد من عزلتها.

الخلاصة: إلى أين تتجه الأمور؟

في ظل هذه التوترات المتصاعدة، يبقى السؤال الأكبر: هل ستؤدي هذه الأزمات المتلاحقة إلى انهيار العلاقات بين الجزائر وجيرانها؟ وهل ستكون الجزائر قادرة على إعادة بناء جسور الثقة مع الدول المجاورة أم أن دورها في المنطقة سيشهد تراجعًا كبيرًا؟ يبدو أن المستقبل يحمل تحديات كبيرة للجزائر، خصوصًا إذا لم تتمكن من تبني سياسة دبلوماسية أكثر حكمة وفعالية.

ذكر أن  التوتر في العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي يعود إلى أواخر العام الماضي عقب استقبال الجزائر ممثلين عن حركات الطوارق المناوئين للسلطات في باماكو، حيث استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الإمام محمود ديكو، وهو رجل دين يوصف بصانع الرؤساء في مالي، ومعروف بانتقاده الدائم للمرحلة الانتقالية بقيادة الجيش، وذلك في إطار مهمتها كوسيط بين الجانبين.

خارجية مالي وصفت هذه اللقاءات بأنها “اجتماعات متكررة تعقد في الجزائر دون أدنى علم لدى السلطات المالية، مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية من جهة، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقعة على اتفاق 2015، التي اختارت المعسكر الإرهابي”، على حد وصفها.

وكان التحرك الجزائري قد جاء إثر نشوب مواجهات شمال مالي قبل عدة أسابيع، بين هذه الجماعات المسلحة والجيش النظامي في شمال البلاد، وخرق اتفاق وقف إطلاق النار لأول مرة منذ توقيعه، ما دفع قوات حركات الأزواد إلى مغادرة عاصمة الشمال كيدال.

الخارجية الجزائرية قالت في بيان لدى استدعائها سفير مالي، إن الوزير أحمد عطاف “أكد أن المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن في مالي، كانت مبنية على تمسك الجزائر بسيادة مالي”.

كان هذا المنعرج في العلاقات بين البلدين مفاجئا، حيث شهد محور الجزائر باماكو مطلع عام 2023، حراكا كثيفا لتحصين اتفاق السلام من الانهيار، والذي يعرف باتفاق الجزائر للسلام لسنة 2015.

ومنذ سنوات تدفع الجزائر بعشرات الآلاف من عناصر الجيش نحو حدودها الجنوبية وخصوصا مالي والنيجر، والشرقية مع ليبيا بسبب الوضع الأمني غير المستقر بهذه الدول، وتصاعد ما تقول السلطات إنه نشاط جماعات إرهابية مسلحة، على غرار ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركات أخرى تنشط في تهريب السلاح والمخدرات عبر الحدود.