رحلت المطربة المغربية الشهيرة نعيمة سميح عن عمر ناهز 71 عامًا، تاركةً وراءها إرثًا فنياً غنياً بأغاني خالدة مثل “ياك آجرحي” و”جاري يا جاري”، والتي شكلت جزءاً من ذاكرة أجيال عربية ومغربية. لكن ما أثار الاستغراب والجدل في وفاتها لم يكن فقط حجم الخسارة الفنية، بل الطريقة التي نعاها بها زملاؤها الفنانون والمثقفون، حيث اقتصرت معظم التعازي على “ستوريات” إنستغرام، دون حضور حقيقي أو مشاركة إنسانية مباشرة.
فهل تحولت التعازي إلى مجرد “منشورات” رقمية؟ وهل يعكس هذا التحول تغيراً في طبيعة العلاقات الإنسانية في زمن السوشيال ميديا؟
رحيل نعيمة سميح: خسارة فنية وإنسانية
نعيمة سميح، التي ولدت في الدار البيضاء عام 1954، كانت واحدة من أبرز الأصوات التي شكلت الوجدان المغربي والعربي. بدأت مسيرتها الفنية في السبعينيات من خلال برنامج “مواهب”، وسرعان ما ارتقت إلى مصاف النجومية بفضل تعاونها مع كبار الملحنين والشعراء مثل عبد القادر الراشدي وعلي الحداني.
وصفها النقاد بأنها “سيدة الأغنية العصرية في المغرب”، وكانت أول مطربة مغربية تغني على مسرح الأولمبيا في باريس، لتسجل اسمها كواحدة من أهم الفنانات العربيات.
رحيلها يمثل خسارة فنية كبيرة، لكنه أيضاً يطرح تساؤلات حول كيفية تعامل المجتمع الفني مع فقدان أحد رموزه. ففي الوقت الذي كان من المتوقع أن يشهد جنازتها حضوراً كبيراً من الفنانين والمثقفين، اقتصرت معظم التعازي على منشورات رقمية، مما أثار استغراباً واسعاً.
“ستوريات” التعازي: بين الحزن الرقمي وغياب الحضور الإنساني
ما لفت الانتباه في وفاة نعيمة سميح هو الطريقة التي نعاها بها زملاؤها الفنانون. فبدلاً من الحضور الشخصي أو المشاركة الفعلية في مراسم الجنازة، اختار معظمهم نشر تعازيهم عبر “ستوريات” إنستغرام. هذه الظاهرة تطرح تساؤلات حول طبيعة العلاقات الإنسانية في عصر السوشيال ميديا.
هل تحولت التعازي إلى مجرد “منشورات” رقمية؟ وهل يعكس هذا التحول تراجعاً في قيمة الحضور الإنساني المباشر؟ أم أن الأمر مرتبط بظروف خاصة أو ضغوطات مهنية؟ هذه الأسئلة تبقى دون إجابة واضحة، لكنها تفتح الباب أمام نقاش أعمق حول تأثير التكنولوجيا على طبيعة العلاقات الاجتماعية.
الفنانون بين الواجب الإنساني والضغوط الرقمية
في عصر أصبحت فيه السوشيال ميديا وسيلة أساسية للتواصل، يبدو أن الفنانون والمشاهير أصبحوا أكثر انشغالاً بصورتهم الرقمية من علاقاتهم الإنسانية الحقيقية. ففي حين أن نشر التعازي عبر “ستوريات” قد يكون أسرع وأسهل، إلا أنه يفتقر إلى العمق الإنساني الذي تتطلبه لحظات الحزن والفقدان.
فهل يعكس هذا التحول تراجعاً في قيمة العلاقات الإنسانية؟ أم أنه مجرد انعكاس لضغوط العصر الرقمي الذي يجبر الجميع على التواجد الدائم على المنصات الرقمية؟ هذه الأسئلة تدفعنا إلى التفكير في كيفية تأثير التكنولوجيا على طبيعة العلاقات الاجتماعية، خاصة في لحظات الحزن والفقدان.
نعيمة سميح: إرث فني خالد
رغم الجدل الذي أثارته طريقة نعايتها، يبقى إرث نعيمة سميح الفني هو الأهم. فقد تركت وراءها مجموعة من الأغاني التي ستظل خالدة في ذاكرة المستمعين. من “ياك آجرحي” إلى “جاري يا جاري”، كانت نعيمة سميح صوتاً مؤثراً في الوجدان المغربي والعربي.
رحيلها يذكرنا بأهمية الحفاظ على الإرث الفني للأجيال القادمة، وأيضاً بأهمية الحضور الإنساني في لحظات الفقدان. ففي حين أن “ستوريات” التعازي قد تكون وسيلة سريعة للتعبير عن الحزن، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الحضور الإنساني المباشر.
الخاتمة: بين الحزن الرقمي والواجب الإنساني
وفاة نعيمة سميح ليست فقط خسارة فنية، بل هي أيضاً فرصة للتفكير في كيفية تعاملنا مع لحظات الحزن والفقدان في عصر السوشيال ميديا. ففي حين أن المنصات الرقمية قد تكون وسيلة سريعة للتعبير عن التعازي، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الحضور الإنساني المباشر.
فهل سنستمر في تحويل التعازي إلى “ستوريات”؟ أم أن هناك حاجة لإعادة النظر في طبيعة علاقاتنا الإنسانية في عصر التكنولوجيا؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة، لكن الأكيد أن إرث نعيمة سميح الفني سيظل خالداً في ذاكرة الأجيال.