شاركت عشرات النشطاء والمنظمات الحقوقية وعمال مصفاة “سامير”، في وقفة نظمت الجبهة المحلية لمتابعة أزمة “سامير”، مساء الإثنين، أمام المحكمة الابتدائية بمدينة المحمدية، احتجاجا على غلاء أسعار المحروقات، وما ترتب عنه من غلاء في المعيشة.
الوقفة الاحتجاجية التي اتخذت شعار “مول المازوط هو المستفيد من الغلاء هو رئيس حكومة الفقراء”، عبّر خلالها الناشطون عن غضبهم واستيائهم من استمرار الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات في المغرب، تزايدت دعوات المطالبين بعودة مصفاة “سامير” الوحيدة لتكرير النفط في المملكة للإنتاج، دون أن تصدر الحكومة أي إشارة حتى الآن للاستجابة لهذه المطالب.
ويرفض فاعلون وسياسيون ونقابيون “إعدام” المصفاة المغربية، من أجل حماية الأمن الطاقي للمغرب، وخفض تداعيات الاضطرابات الدولية عليه.
وردد المشاركون في هذه التظاهرة الاحتجاجية شعارات غاضبة ضد الحكومة، محملينها مسؤولية ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية.
غردت الناشطة مايسة الناجي على “تويت” قائلةً : “شاركت اليوم في الوقفة الاحتجاجية بمدينة المحمدية، ضد الصمت المطبق للمعارضة والإعلام في وجه رئيس حكومة يدعي إيجاد حلول للفقراء، هو نفسه مول المازوط الذي يستثري من الغلاء. ستجدون مداخلاتي في عدد من المنابر الإعلامية التي كانت حاضرة. شكرا للجميع على محبتهم “ #اخنوش_ارحل
شاركت اليوم في الوقفة الاحتجاجية بمدينة المحمدية، ضد الصمت المطبق للمعارضة والإعلام في وجه رئيس حكومة يدعي إيجاد حلول للفقراء، هو نفسه مول المازوط الذي يستثري من الغلاء.
ستجدون مداخلاتي في عدد من المنابر الإعلامية التي كانت حاضرة. شكرا للجميع على محبتهم ♥️⚘✌🏽#اخنوش_ارحل pic.twitter.com/F6dgnDSq46
— Mayssa Salama Ennaji مايسة سلامة الناجي (@elMayssa) June 20, 2022
وندد المشاركون بما أسموه “تهرب الحكومة من تحمل مسؤوليتها في إنقاذ شركة سامير”، داعين إلى استئناف نشاط المصفاة الوحيدة في المغرب لتكرير البترول، مشددين على ضرورة التصدي للأسعار الملتهبة للمحروقات.
وعبر المتظاهرون عن غضبهم من ارتفاع الأسعار والأرباح التي تجنيها شركات المحروقات، واصفين إياها بـ”الفاحشة”، وذلك “بعد حذف الدعم والتحرير للقطاع في نهاية 2015″، أي في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، كما أكدوا عزمهم تنظيم خطوة احتجاجية أخرى للغاية ذاتها في وقت لاحق.
وتطالب الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول بتفويت أصول الشركة لصالح الدولة للحفاظ على هذه المعلمة الصناعية التي يعود تأسيسها إلى سنة 1959، بهدف تخفيض تكلفة المواد البترولية، في المقابل ينفق المغرب سنويا ما يفوق سبعة مليارات درهم كعملة صعبة بسبب استيراده للمواد النفطية الصافية عوض النفط الخام.
وفي وقت سابق رفضت الحكومة، مقترحي قانونين تقدمت بهما مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، الأول يتعلق بتنظيم أسعار المحروقات، والثاني يتعلق بتفويت أصول شركة “سامير” التي هي في طور التصفية القضائية لحساب الدولة المغربية.
وتثير أسعار الوقود قلقا وغضبا واسعا في المغرب، بعدما سجلت عدّة ارتفاعات متتالية في الفترة الأخيرة، حيث وصل سعر البنزين إلى 18 درهما (نحو 1.8 دولار) للتر الواحد، بينما بلغ ثمن الغازول 16 درهما (نحو 1.6 دولار)، وهي الأرقام التي لم يسبق أن وصلت إليها أسعار هذه المواد، بينما تقول الحكومة إن هذه الزيادات مرتبطة بأسعار الطاقة في الأسواق الدولية، كما ترفض قرار دعم أسعار المحروقات، بسبب عدم توفر الميزانية الكافية لدعم هذا القطاع.
وشركة سامير، التي توقّف الإنتاج بها عام 2015، لها دور وطني كبير، خصوصا في تأمين الحاجيات الوطنية من الطاقة البترولية والحد من غلاء أسعار المواد البترولية.
تقول القيادة النقابية والمستشارة البرلمانية السابقة، رجاء كساب: “المطالبة بعودة سامير للإنتاج، جاء نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار المحروقات ولخطر الاضطراب في الامدادات بعد اشتعال حرب روسيا والغرب، وأيضا لأن المصفاة تساهم في رفع المخزونات وتعطي الفرصة لولوج سوق النفط الخام على غرار سوق المواد الصافية، وهو ما يمكنه أن يساهم في اقتصاد العملة الصعبة”.
كما أن هذه الصناعة، “شيدت تاريخيا في زمن الصدمات البترولية، وبغاية الوقاية من المخاطر المباشرة والآنية للسوق العالمية”، تضيف كساب في حديثها لـ”موقع سكاي نيوز عربية”.
وتعتقد المستشارة البرلمانية السابقة، أن تشغيل المصفاة سيساهم بشكل خاص في “الرفع من المخزون الوطني للمحروقات بنحو 60 يوما من الاستهلاك، وسيساهم في الضغط على اللوبيات المتحكمة في السوق من أجل تنزيل الأسعار الفاحشة بنحو 2 دراهم للتر بالنسبة للغازوال”، مشيرة أن “المصفاة لحدود الآن مازالت قادرة على الإنتاج وبشكل تنافسي وبميزانية لن تفوق 200 مليون دولار”.
لكن “للأسف رفضت حكومة الملياردير أخنوش كما السابقة مقترح قانون يرمي إلى تفويت أصول الشركة للدولة، على اعتبار أن الدولة بهذه الطريقة ستسترجع ديونها المتراكمة على الشركة، بمبررات مغلوطة كوجود الملف لدى القضاء علما بأن القضاء قال كلمته الأخيرة”، تستطرد القيادة النقابية.
وقد صدر حكم التصفية القضائية في مواجهة شركة سامير قبل ست سنوات، وتم تأكيده في جميع مراحل التقاضي، فيما عملت فرق برلمانية من المعارضة على تقديم مقترحات للحكومة لاتخاذ مبادرة تأميم الشركة وإعادتها إلى المؤسسات العمومية دون جدوى، إذ تبرر الحكومة موقفها من عدم التدخل في هذا الملف والاستفادة من قدرات التكرير والتخزين في الشركة بوجود مسطرة قضائية يتعين احترامها.
في لقاء مع الصحافة، منتصف الشهر الماضي، اعتبرت وزيرة الانتقال الطاقي التنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن “مسطرة التحكيم الدولي الجارية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي تعيق استغلال مصفاة سامير”.
وأدرجت شركة سامير سنة 1996 في بورصة الدار البيضاء، وبعد ذلك بسنة تقرر خصخصتها بتحويل 67.27 بالمئة من رأسمال المصفاة المغربية إلى مجموعة “كورال السويدية”، التي يملكها رجل الأعمال السعودي محمد الحسين العمودي.
بالنسبة لمنسق الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول سامير (غير حكومية)، الحسين اليماني، فما وصلت إليه سامير اليوم “نتيجة طبيعية للخصخصة المظلمة، باعتبار شروط هذه الخصخصة كانت تثير أكثر من سؤال حينها سنة 1997”.
في تصريح ، اعتبر اليماني أن “السلطات المختصة لم تمارس دورها في الرقابة ومتابعة تنفيذ الالتزامات التي جاءت مُلحقة بدفتر التحملات”.
ووقعت الحكومة في 2004 اتفاقية استثمار مع مجموعة كورال من أجل تحديث المصفاة وتطويرها وتوسيع أنشطتها، إذ تعهّد مالكها باستثمار 300 مليون دولار لهذا الغرض، لكن دون أن يتحقق شيء من هذه التعهدات.
نتيجة ذلك، أن بدأ المالك في تصفية ممتلكات شركة سامير، التي تضمّنت فنادق وعقارات، إضافة إلى حصص في شركات التأمين، حتى وصلت سامير في نهاية 2015 لوضعية غير متوقعة.
وبعدما تراكمت ديون المصفاة لفائدة الجمارك والبنوك المغربية، وصلت إلى 40 مليار درهم، دخلت الشركة المسطرة القاضية في المحكمة التجارية في الدار البيضاء، التي قضت بتصفيتها في 2016.
وهذا ما دفع بالمدافعين عن مصفاة سامير، يعتقدون أن “مالكي شركة كورال لم يكن في نيتهم الدفع بشركة سامير وتنميها وتأهيلها وجعلها قاطرة لإنتاج الثروة لكل الأطراف”، وفق منسق جبهة إنقاذ سامير.
ونبه المصدر ذاته، إلى أن التخلي عن سامير وعدم وجود مصفاة في المغرب، يعني أن “بلادنا في حالة عري طاقي، لأن اقتصاد المملكة في حاجة ماسة إلى هذه الطاقة البترولية، إذ نستهلك حاليا نحو 11 مليون طن من المواد البترولية بجميع أصنافها، وهو ما يكلف خزينة الدولة”.
وأوضح الخبير في مجال تكرير البترول، أن “صناعة تكرير البترول تحقق منفعتين أساسيتين: أولهما توفير المخزون بشكل ضمني يتراوح ما بين 47 إلى 60 يوما، وثانيهما التنافس في شراء المادة الصافية”.
من جهتها، أبرزت الباحثة في المالية العمومية، سارة الطاهري، أن رفض الحكومة تأميم مصفاة سامير، “يفوت على المغرب تأمين حاجياته الطاقية، إضافة لوقف غلاء أسعار المحروقات التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة”.
وتابعت الطاهري، في اتصالها بـ”موقع سكاي نيوز عربية”، أن إعادة تشغيل المصفاة سيجعل المملكة في “منأى عن الزيادات المستمرة للبترول، إضافة إلى تشغيلها لليد العاملة، ومساهمتها بشكل كبير في إنعاش واستقطاب النشاط الاقتصادي والحياة الاجتماعية على مستوى مدينة المحمدية، خصوصا وأن الشركة كانت تشغل ستة آلاف من الموظفين والعمال”.
كما أن مصفاة سامير ” تشكل موردا ضريبيا جد هام بالنسبة للدولة، إلى جانب دورها في التكرير والإنتاج، مما جعلها تبلغ طاقتها الإنتاجي 200 ألف برميل يوميا”، تردف الباحثة في المالية العمومية.