ولي العهد مولاي الحسن يكتب صورته بهدوء: حين اختار الميدان بدل المنصة

0
114

ولي العهد يفاجئ الكاميرات… حين يتحول افتتاح «الكان» إلى مشهد دولة

لم يكن افتتاح النسخة الخامسة والثلاثين من كأس إفريقيا للأمم مجرد لحظة رياضية عابرة، بل بدا، في لحظة نزول ولي العهد الأمير مولاي الحسن إلى أرضية الملعب، وكأنه انتقال رمزي للحدث من مستوى المنافسة إلى مستوى الدولة. هنا، لم يعد الملعب فضاءً للفرجة فقط، بل تحوّل إلى مسرح سياسي-ثقافي مكتمل الدلالات.

حضور ولي العهد لم يقتصر على الجلوس في المنصة الرسمية، كما تفرض البروتوكولات، بل تجاوزه إلى فعل رمزي محسوب: النزول إلى الميدان، وسط أمطار غزيرة، لمصافحة اللاعبين واحدًا واحدًا. مشهد بسيط في شكله، لكنه كثيف في معناه، خاصة في سياق يُدرك فيه الرأي العام أن الصور الملكية لا تُنتج عبثًا، بل تُقرأ باعتبارها رسائل.

في هذا المشهد، لم يكن الأمير يحيّي من علٍ، ولا من مسافة آمنة تحميه من المطر والبرد، بل تقاسم اللحظة الجسدية مع اللاعبين والجمهور. جسد مبتل، حركة مباشرة، وابتسامة غير مصطنعة. صورة لا تكتفي بإظهار القرب، بل تُعيد تعريفه: قرب لا يُلغِي الهيبة، وهيبة لا تمنع النزول إلى الميدان.

الرسالة هنا تتجاوز الرياضة. فمصافحة اللاعبين فردًا فردًا ليست مجرد مجاملة بروتوكولية، بل اعتراف ضمني بالجهد الجماعي والفردي، وبأن تمثيل الوطن ليس شعارًا مجردًا، بل تعب يومي ومسؤولية رمزية. في زمن تتآكل فيه الثقة العامة، تصبح هذه الإشارات الصغيرة ذات وزن سياسي واجتماعي مضاعف.

وإذا كان المعلن هو دعم الرياضة والمنتخب، فإن المسكوت عنه هو أعمق: صورة ولي عهد يتشكل وعيه العمومي في فضاء مفتوح، وسط الشباب، تحت المطر، وفي لحظة فرح جماعي نادر. إنها لغة الجسد بدل الخطب، ولغة الصورة بدل البلاغ.

بهذا المعنى، لا يمكن فصل هذا الظهور عن سياق أوسع، حيث تراهن الدولة المغربية على الرياضة كأداة قوة ناعمة، وكجسر رمزي بين المؤسسة الملكية والأجيال الجديدة، داخل المغرب وخارجه. فالمشهد تابعه ملايين المغاربة، وملايين الأفارقة، ودوائر رياضية وإعلامية دولية، ما يمنحه بعدًا يتجاوز اللحظة والملعب.

ليس في الصورة استعراض، ولا في الحركة ادعاء. بل اقتصاد في الفعل، وغنى في الدلالة. صورة تقول الكثير دون أن تنطق، وتترك للقارئ والمشاهد أن يلتقط معناها: دولة حاضرة، وولي عهد يتقدم بهدوء، ويصنع صورته العامة لا عبر الخطاب، بل عبر المشاركة.

في زمن شُحّ الفرح، تصبح هذه اللحظات الصغيرة جزءًا من الذاكرة الجماعية. وربما لهذا، فاجأ ولي العهد الكاميرات… لأنه ببساطة اختار أن يكون حيث يوجد الناس.