وهبي يعتذر للمحامين في نهاية الولاية: هل هو اعتراف متأخر أم إعادة تموقع سياسي؟

0
219

طنجة – لحظة صمت بدت أطول من المعتاد، ثم قالها وهبي أخيرًا: “أعتذر”.

بعد سنوات من المواجهات الحادة مع هيئات المحامين حول قانون المهنة، وقبل أيام من مغادرته منصبه، اختار عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أن يلقي كلمة اعتذار عاطفية أمام المؤتمر الوطني للمحامين في طنجة.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذا الاعتذار صدقة من القلب أم محاولة لـ”تلميع” إرثه قبل الرحيل؟

الخطاب، الذي جاء مليئًا بالعبارات الرنانة مثل “أنا منكم ولن أنساكم”، لم يُخفِ حقيقة أن العلاقة بين الوزير والمحامين كانت أشبه بـ“حرب قانونية باردة”، وصلت إلى حد التظاهر ضده ومطالبته بالاستقالة. فما الذي تغير اليوم؟

“أنا منكم… وإن أخطأت فاعذروني”

بكلمات صادقة في ظاهرها وعاطفية في نبرتها، قال وهبي: “إذا أخطأت في حقكم يوماً، فأنا أعتذر”، مضيفاً أنه من أسرة المحاماة، وأن السياسة مرحلة، أما المحاماة فهي “الديمومة”.

لكن هذه العبارة التي لاقت تصفيقًا حذرًا، تطرح سؤالاً مركزياً: هل الاعتذار إقرار ضمني بفشل مقاربة الإصلاح الأحادية التي تبناها الوزير؟ أم محاولة لاستدراك شرخ في علاقة الثقة مع الجسم المهني، قبيل نهاية ولاية حكومية تميزت بملفات شائكة؟

قانون المهنة… ملف مفتوح على تحديات المستقبل

لم يخف وهبي أن قانون المهنة كان ويظل “جوهر” الجدل. بل قال صراحة إنه “لم يضعه للمحامين، بل لنفسه أولاً، كمحام”. وهنا تبرز مفارقة: كيف يمكن لمشرّع أن يصوغ قانوناً بصفته المهنية وليس باعتباره ممثلًا للدولة؟ هل في ذلك تضارب أدوار أم نزعة ذاتية تطغى على المنطق المؤسساتي؟

وهبي شدد على أن إصلاح العدالة لا يتم من دون إعادة النظر في دور المحامي، وتوسيع اختصاصاته، وتقوية حصانته. وهي تصريحات مهمة، لكنها تتطلب تفكيكًا:
أي نوع من الإصلاح تقترحه وزارة العدل؟ وما موقع المحام في مشهد قضائي يتحول تدريجيًا تحت وطأة الرقمنة وتحديات الذكاء الاصطناعي؟

من القطيعة إلى المصالحة… أم إعادة توزيع للأدوار؟

رغم الاشتباك الكلامي والميداني السابق، قال وهبي: “أنتم من علمتموني أن أكون صلباً في المرافعة”، معترفًا بقوة النقباء في النقاش والضغط. بل ذهب إلى حد التندر قائلاً: “تعبتني الاجتماعات، وأصبت بالسكري”، مازحًا، لكن العبارة توحي بكلفة نفسية وسياسية للملف.

هذا التوتر الدائم بين الوزير ونقباء الهيئات يطرح تساؤلاً: هل نعيش نهاية أزمة، أم هدنة ظرفية في انتظار جولة جديدة بعد الانتخابات أو تعديل حكومي؟

بين الاستقلالية والانخراط في الدولة

واحدة من الرسائل المفصلية في خطاب وهبي تمثلت في قوله: “المحامون ليسوا خارج الدولة بل جزء منها”، في محاولة واضحة لسحب البساط من تأويلات ترى في الدفاع عن استقلالية المحاماة نزعة انفصالية.

لكن:
هل تعني هذه الدعوة نهاية مرحلة النضال النقابي المستقل؟ أم هي إعادة تموضع للمهنة ضمن هندسة سلطوية جديدة تريد استيعاب كل الفاعلين في “النسق”؟

قانون المهنة بين “القاضي الروبوت” و”المحامي الآلي”: هل نحن مستعدون؟

أشار وهبي إلى زياراته لدول تفكر في “القاضي الآلي” و”المحامي الافتراضي”، معتبرًا أن المغرب مقبل على تحديات تكنولوجية كبرى.

لكن:
هل تمتلك مهنة المحاماة بالمغرب البنية التحتية والتشريعية والتكوينية التي تؤهلها لمواجهة هذا المستقبل؟ أم أننا نعيش على وقع صراع تقليدي في زمن تحولات رقمية عميقة؟

خلاصة تحليلية: هل نطوي صفحة وهبي أم نفتح فصلًا جديدًا من الأسئلة؟

خطاب الاعتذار بقدر ما هو مبادرة تهدئة، يحمل في طياته إشارات استراتيجية. عبد اللطيف وهبي، الوزير والمحامي، يبدو كأنه يعيد ضبط تموقعه السياسي والمهني استعدادًا لما بعد الوزارة.
لكن تبقى الأسئلة عالقة:

  • ما مصير قانون المهنة؟

  • هل الاعتذار يعفي من المحاسبة المهنية والسياسية؟

  • وما هي الجهة التي ستقود إصلاح العدالة والمحاماة بعد وهبي؟

في النهاية، الاعتذار لحظة مهمة، لكنها ليست نهاية المطاف.