في مباراة سياسية وقانونية محتدمة، يُصعّد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، المواجهة مع جمعيات حماية المال العام، متسائلاً عن مشروعية ثروات بعض رؤسائها التي تبدو “مجهولة المصدر”. هذه الخطوة تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل دور المجتمع المدني في محاربة الفساد، وحدود التفاعل بين السلطات والجمعيات الحقوقية.
إحالة الجمعيات إلى النيابة العامة: خطوة إصلاحية أم تكتيك سياسي؟
كشف وهبي عن نية وزارته إحالة قائمة تضم عددًا من الجمعيات المدنية المتخصصة في حماية المال العام إلى النيابة العامة، لفتح تحقيقات دقيقة حول مصادر تمويلها وممتلكات بعض القائمين عليها.
ويرى الوزير أن بعض هذه الجمعيات تورطت في حيازة ممتلكات فاخرة، مثل الفيلات والسيارات، دون الإقرار بمداخيلها، مما يثير تساؤلات حول شرعية هذه الثروات.
غير أن هذه الخطوة تُطرح في سياق سياسي معقد، حيث يتساءل مراقبون: هل تأتي هذه التحقيقات في إطار جدي لمكافحة الفساد أم أنها توظف سياسيًا لتقييد الجمعيات الحقوقية والحد من تأثيرها؟ وهل يمكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إضعاف المجتمع المدني بدلًا من تقوية آليات الرقابة والمحاسبة؟
اللعبة السياسية: بين مكافحة الفساد وحماية الحقوق
في حديثه، شدد وهبي على ضرورة التعامل مع قضايا الفساد وفق إطار قانوني منظم، مشيرًا إلى أن الاتهامات العشوائية لا مكان لها في النظام الديمقراطي. وقال: “إذا استمر هذا الوضع، فلن يتبقى لدينا منتخبون أو مرشحون، وأي شخص يسعى للترشح قد يصبح مهددًا بتلفيق التهم له”.
هذا التصريح يثير التساؤل حول ما إذا كان الوزير يحاول حماية المنتخبين من الشكاوى الكيدية، أم أنه يسعى للحد من قدرة المجتمع المدني على مراقبة المال العام؟ وما مدى تأثير ذلك على جهود محاربة الفساد في ظل بيئة سياسية تتطلب الشفافية والمساءلة؟
الجمعيات الحقوقية تحت المجهر: غياب الرد أم إعادة ترتيب الأوراق؟
حتى الآن، لم تصدر الجمعيات المعنية بحماية المال العام، مثل الشبكة المغربية لحماية المال العام وجمعية حماية المال العام، ردودًا مباشرة على تصريحات وهبي. هذا الصمت يمكن قراءته بطريقتين: إما أنه يعكس حذرًا استراتيجيًا، أو أنه مؤشر على ارتباك في مواجهة الاتهامات الرسمية.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل تمتلك هذه الجمعيات آليات واضحة لضمان الشفافية في تمويلها؟ وهل يمكن أن تكون بعض هذه الجمعيات قد انحرفت عن أهدافها الأصلية لتصبح جزءًا من لعبة سياسية أوسع؟
التعديلات القانونية: هل يتم تغيير قواعد اللعبة؟
أحد أكثر البنود إثارة للجدل في مشروع قانون المسطرة الجنائية هو منع الجمعيات من تقديم شكايات ضد رؤساء الجماعات إلا من خلال وزارة الداخلية. هذا التعديل يُشبه تغيير قواعد اللعبة، حيث يتم تقييد حركة الجمعيات لصالح المنتخبين.
من جانبها، ترى الجمعيات الحقوقية أن هذا التعديل يمثل مساسًا بدورها في مراقبة المال العام، بينما يدافع وهبي عن هذه الخطوة باعتبارها ضرورية لمنع استخدام الشكاوى كأداة لتصفية الحسابات السياسية.
إلى أين تتجه المواجهة؟
مع احتدام هذه المعركة، يبقى مستقبل العلاقة بين وزارة العدل والجمعيات الحقوقية مرهونًا بمدى قدرة الطرفين على إيجاد توازن بين محاربة الفساد وحماية الحريات المدنية. فهل نشهد إعادة ضبط لقواعد المحاسبة، أم أن المواجهة ستتحول إلى صراع مفتوح بين الدولة والمجتمع المدني؟