وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ .. والي بنك المغرب “الاقتصاد غير المنظم والرشوة وكثرة الضرائب تعوقان تقدم المقاولات والاقتصاد “

0
252

يرجع البنك الدولي انخفاض معدل النمو بالدول الإفريقية بشكل أساسي إلى الرشوة… الأخيرة تؤدي إلى تضييع فرص الاستثمار وعدم اتباع معايير الجودة والسلامة مما يؤثر سلبا على تنافسية الشركات والدولة بشكل عام، ومن ثم تكبيد الأخيرة خسائر مالية مهمة.

ويطلق الاقتصاد غير المنظم على كل الأنشطة الاقتصادية التي لا تخضع للضرائب ولا تراقب من قبل الحكومة ولا تدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي..وإن ما بين 60 و80 من العمال في المملكة يشتغلون في الاقتصاد غير المنظم.

فقد كشف والي بنك المغرب (المركزي)،عبد اللطيف الجواهري، عن مجموعة من العوامل التي تعوق تطور المقاولات الوطنية، أولها الرشوة المتفشية بشكل واسع في ججميع القطاعات الخاصة والحكومية، وقوة الضغط الضريبي، وعبء القطاع غير المهيكل على الاقتصاد، وطول آجال الأداء، هذا الأخير تتضرر منه المقاولات الصغيرة بشكل أكبر من باقي المقاولات.

جاء ذلك في تقرير ، ألقاه والي بنك المغربي، أمس الثلاثاء، أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية حول وضعية الاستثمار في المغرب، وبخصوص الرشوة، سجل الجواهري أن المغرب خلال سنة 2021 تراجع بـ14 مرتبة في مؤشر مدركات الرشوة الذي تنجزه “ترانسبارنسي”، مشيرا إلى احتلال المملكة المركز 87 من أصل 180 دولة في المؤشر الذي يصنف الدول وفقا لدرجة انتشار الرشوة في القطاع العام كما يقيمها الخبراء والفاعلون الاقتصاديون.

وجاء في التقرير، ان الضرائب تشكل عبئا يعوق تطور المقاولات، وفقا للجواهري، مشيرا إلى أن مستوى الضرائب على الدخل وأرباح الرأسمال في المغرب تصل إلى 32.9 في المائة، وهو مستوى أعلى مقارنة بغالبية دول الفئة التي ينتمي إليها المغرب، وأعلى بكثير من المستوى المسجل ببعض البلدان القريبة كالأردن 13.2 في المائة، وبولونيا، 13.3 في المائة، والتشيك 16.5 في المائة، وتركيا 18.5 في المائة.

أكتوبر الماضي ، كشفت دراسة حديثة إن الرشوة تؤثر سلبا على حماس الفاعلين الاقتصاديين، وتضعف الرغبة في الاستثمار، وتهدد التماسك الاجتماعي؛ وهو ما يساهم في إضعاف التنمية في البلاد بشكل كبير.

وأفادت الدراسة، التي تحمل عنوان “الرشوة النسقية كعامل ومؤشر للتنمية السيئة” والتي أعدتها “ترانسبرانسي المغرب”، بأن “الرشوة في المغرب مستمرة ومتفشية ومدمرة”؛ وهو ما تكشف عنه عدد من المؤشرات، من بينها مؤشر إدراك الرشوة (IPC) الذي رتب المملكة سنة 2020 في المرتبة الـ86 من أصل 186 دولة. 

ورصدت الدراسة عددا من أسباب انتشار الرشوة في المغرب التي تعود إلى طبيعة المنظومة المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية، لأن “الرشوة نتاج طبيعي لنمط حكامة غير فعال”، مضيفا أن الأسباب الأخرى تكمن في “الإفلات من العقاب وضعف تفعيل القوانين وانعدام المحاسبة وإفلاس العدالة وانعدام الشفافية. وفي بيئة من هذا القبيل، فإن ممارسات الرشوة وتوزيع الامتيازات وتبادل الخدمات هي التي تنظم الفضاء العمومي أكثر مما تفعل ذلك قواعد القانون“.

وأضافت الجمعية بأن أغلبية المؤسسات تتميز بنسب عالية من الرشوة، حيث يتم الاعتراف اليوم، وعلى نطاق واسع، أن “الرشوة والحكامة السيئة تشكلان أكبر العقبات التي تعترض التنمية“، وذلك لتأثيرهما السلبي للغاية على الاقتصاد والمجتمع.

وأوضحت “ترانسبرانسي المغرب” أنه رغم تعهد الحكومات المتعاقبة على محاربة الرشوة وجعلها من الأولويات، وأخذ المغرب على عاتقه التزامات دولية، وإحداث هيئات وطنية لمحاربة الرشوة “لكن الرشوة تستمر في الازدهار”، فضلا عن ذلك فالمواطنون لا ينخدعون بصدق التزام السلطات العمومية لمحاربة الرشوة “وقد اعتبر %74 من المستجوبين أن الحكومة تقوم بعمل سيئ في مجال محاربة الرشوة“.

المنظمة قدمت “الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة” كأحد أهم تجليات انعدام الإرادة السياسية، فقد أعطيت انطلاقتها في 2013 ولم يتم اعتمادها حتى دجنبر 2015، ولم تقم الحكومة بإصدار المرسوم المحدث للجنة الوطنية لمحاربة الرشوة إلا في 2017، وإلى غاية نهاية 2020 لم تجتمع تلك اللجنة إلاّ مرتين، أما حصيلة إعمال الاستراتيجية فهي شبه منعدمة.

“ترانسبرانسي” أكدت أن غياب فصل واضح لسلطات الدولة، والطابع التقديري للقرارات العمومية هي التي “توفر الشروط المؤسساتية لعدم مسؤولية الفعل السياسي، وعدم شفافية القرار العمومي“. مضيفة أن أصل السلطات في الواقع يظل متمركزا ومنفلتا من “مبدأ أساسي للحكامة الجيدة ألا وهو تقديم الحساب“، ولئن كان “الدستور الجديد قد ربط بين المسؤولية والمحاسبة فإن العديد من الفصول في متن النص الدستوري قد أبطلت مفعول هذا الربط“. مبرزة أنه مع “وجود تواطؤ للسلطة الاقتصادية مع السلطة السياسية يكون من الوهم الإفلات من تضارب المصالح، وانتظار أن تتم لعبة المنافسة بشكل حر“.

كما اعتبرت الدراسة، التي أنجزها عدد من الخبراء الاقتصاديين المغاربة، أن ظاهرة الرشوة تمارس ثلاث فئات من التأثيرات على الديناميات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، تتجلى في “تشويه البنيات الإنتاجية من خلال التلاعب في رصد الموارد، والمساهمة في تكوين اقتصاد الريع وتشجيعه وتقوية الاقتصاد غير المهيكل، وحماية الأنشطة غير القانونية، فضلا عن تفكيك البنيات الاقتصادية والاجتماعية بفعل تفاقم اختلال توازنات الاقتصاد الوطني من خلال عدة ممارسات منها التهرب الضريبي الذي يضيع على الدولة إيرادات مهمة“.

وأكدت الدراسة أن الرشوة تؤثر على التماسك الاجتماعي وتؤدي إلى تآكله من خلال “فقدان مصداقية المؤسسات وقدرتها التنظيمية، وترجيح المصالح الخاصة على المصالح العامة وتفاقم التفاوتات الاجتماعية والمجالية“.

وسجل والي البنك تالمركزي ن أن معدل الضريبة على الشركات بالمغرب والذي يبلغ 31 في المائة، يبقى أعلى بكثير من المستويات المسجلة على الصعيدين العالمي الذي يبقى في حدود 23.7 في المائة، والإفريقي الذي لا يتجاوز 2.5 في المائة.

وتابع: ثقل القطاع غير المهيكل هو الآخر عائق في تقدم الشركات وفقا للجواهري، حيث يمثل هذا القطاع11.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام و36.2 في المائة من مناصب الشغل، الأكثر من ذلك، يشير الجواهري إلى أن ما سماه “الاقتصاد الخفي” الذي يشمل الإنتاج السري والإنتاج غير القانوني أو غير المنظم، يمثل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

وانبه إلى طول آجال الأداء، حيث أن أكثر من نصف المقاولات المغربية لا تحصل على مستحقاتها إلا بعد انصرام الأجل القانوني المحدد في 60 يوما، بل إن 35 في المائة من المقاولات تحصل على مستحقاتها خلال آجال تزيد عن 120 يوما.

وكشف والي البنك ، بأن هناك مستويات آجال آداء الزبناء حسب حجم المقاولة، أن المقاولات الصغيرة تواجه وضعية صعبة، وذلك في جميع القطاعات خاصة مع مستويات تتجاوز 200 يوم من رقم المعاملات بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة في قطاعي النقل والتخزين والصناعة التحويلية.

وزيادة على العوامل البنيوية السابقة، يرجح الجواهري أن تكون هشاشة النسيج الإنتاجي الوطني قد تفاقمت بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، مشيرا في هذا الصدد إلى بحوث المندوبية السامية للتخطيط التي أظهرت فقدان المقاولات المنظمة ما يقارب 726 ألف منصب شغل أي ما يعادل خمس يدها العاملة.

وتتوافق هذه النتائج مع بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي سجل انخفاضا حادا على أساس سنوي في عدد الأجراء المصرح بهم بنسبة 33.9 في المائة في أبريل 2020، وهو ما يعادل فقدان أكثر من 850 ألف منصب شغل.

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي (حكومي)، قد أوصى  بإزالة الحواجز التشريعية والتنظيمية والإدارية ذات الصلة، من خلال مراجعة النصوص القانونية المتقادمة أو التي تبين عدم إمكانية تطبيقها.

ودعا إلى “الإسراع بالمصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم”.

وحث المجلس على “تشجيع انضمام العاملات والعاملين بالاقتصاد غير المنظم، للعمل النقابي”.

وفي 23 مايو/أيار الماضي، قال البنك الدولي إن “ما يزيد عن 70 بالمئة من إجمالي العمالة، وما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة والدول النامية، يندرج تحت مظلة القطاع غير الرسمي.

واعتبر البنك، في حينه، الاقتصاد غير الرسمي “عائقا أمام التعافي الاقتصادي، إذا لم تعتمد حكومات الدول الناشئة والنامية مجموعة شاملة من السياسات لمعالجة أوجه القصور”.