هل الدعم موجه فعلاً لمن يستحقه؟ سؤال مفتوح في زخم دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة بالمغرب
في خضم الزخم المتصاعد حول دعم المقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة (TPME) بالمغرب، يبرز سؤال استراتيجي محوري: هل هذا الدعم الذي تعِد به الحكومة ويُروج له إعلامياً، يذهب فعلاً إلى مستحقيه الحقيقيين؟ أم أن هناك شبكات تحكم خفية تتقن “إعادة تدوير” الأموال العمومية لصالح كبار الفاعلين الاقتصاديين؟
الحديث عن 12 مليار درهم سنوياً كدعم موجه لهذه الفئة الاقتصادية ليس تفصيلاً صغيراً، بل هو عنوان تحول في السياسة الاقتصادية المعلنة، يرافقه حراك رسمي ومدني، من بينها تنظيم ملتقى “Carrefour de la TPME” من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM). غير أن ما يبدو على السطح احتفاءً بالمقاول الصغير، قد يخفي في العمق إعادة تموقع قوى اقتصادية كبرى للاستحواذ على هذا الدعم.
مقاولو الهامش يُقصَون من الحوار
عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة، يُطلق إنذاراً: “ما يُحاك الآن هو استحواذ منظم على أموال الدعم، واللقاءات الحوارية لا تمثّل المقاولين الصغار فعلياً، بل تسوّق قصص نجاح تبدو منفصلة عن واقع الأزمة والاختناق”.
فحين يُستدعى متدخل في ملتقى ويدّعي أنه بدأ كمقاول صغير قبل أن يصل إلى 8 مليارات درهم كرقم معاملات، يُطرح السؤال: أليس في ذلك تزييف لواقع الآلاف من المقاولين الصغار الذين يصارعون من أجل تسديد فواتير الماء والكهرباء؟ من يستفيد من هذه “القصص النموذجية”؟ وأين هي التجارب الحقيقية التي تُمثّل المعاناة اليومية للمقاول الصغير الذي يصطدم بالإدارة، والضرائب، وغياب التمويل؟
دعم في “الوقت بدل الضائع”؟
يُسمي الفركي هذا الزخم بـ”برامج الدقيقة 90″، إشارة إلى اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، التي غالباً ما تُفرز برامج دعم مرتجلة لتجميل المشهد. وفي العمق، يؤكد أن الحوارات الحالية بين الحكومة والباطرونا لا تتعلق بتقوية البنية الاقتصادية الصغيرة، بل بكيفية اقتطاع أكبر حصة من صندوق الدعم.
لكن، إذا كانت المقاولات الصغيرة تمثل 98% من النسيج الاقتصادي الوطني، وتلعب دوراً أساسياً في امتصاص البطالة، فلماذا تُقصى من الحوار؟ هل يعود السبب لضعف تنظيمها؟ أم أن الأمر يرتبط بتهميش منهجي لأصوات لا تُجيد لغة الضغط الاقتصادي؟
الدولة.. بوجهين؟
واحدة من أخطر الإشكالات التي يطرحها الفركي هي العلاقة المتوترة مع المديرية العامة للضرائب. يقول إن هذه المؤسسة لا تتعامل مع المقاولات الصغرى بمنطق الإنصاف، بل بالحجز والتنفيذ، فيما تُسامح كبار المدينين الذين تتجاوز ديونهم 67 مليار درهم.
إذاً، ما الذي يمنع الدولة من فرض نفس الزجر على الشركات الكبرى؟ وهل هناك “حصانة اقتصادية غير معلنة” تستفيد منها هذه الفئات؟ ثم، كيف يمكن لمقاول صغير أن يصمد، بينما يُواجه الحجز، والتهميش، والبيروقراطية، دون حماية مؤسساتية حقيقية؟
أين هي العدالة الاقتصادية؟
ليست المسألة فقط عن دعم مالي، بل عن عدالة اقتصادية حقيقية، تُعيد التوازن داخل النسيج المقاولاتي المغربي. كل دعم يُمنح لكبار الفاعلين على حساب الصغار، هو في الحقيقة تكريس لتفاوتات بنيوية تُهدد الاستقرار الاجتماعي.
إن إقصاء ملايين المقاولين الصغار من منظومة الدعم يضعف فرص بناء اقتصاد وطني تنافسي وشامل. بل أكثر من ذلك، يفتح الباب أمام الاحتقان، ويزرع الشك في قدرة الدولة على تأمين تكافؤ الفرص.
ختام: هل نعيد تعريف أولوياتنا؟
ما يحدث اليوم لا يتعلق فقط بمنح دعم مالي، بل بإعادة تحديد موقع المقاول الصغير في رؤية الدولة الاقتصادية. هل يُنظر إليه كفاعل استراتيجي وشريك حقيقي في التنمية؟ أم مجرد رقم يُستعمل لتزيين الخطب والإحصائيات؟
الرهان الحقيقي ليس فقط في توفير الأموال، بل في ضمان أن تمر عبر قنوات عادلة، وتصل إلى من هم فعلاً في الخط الأمامي لبناء الاقتصاد المغربي من القاعدة، لا من القمة.