من جديد، تكشف الأرقام الرسمية عن فاجعة مستمرة تعيشها طرقات المغرب، حيث سُجلت خلال الأسبوع الممتد من 21 إلى 27 أبريل الجاري، 2267 حادثة سير داخل المناطق الحضرية، خلفت 19 قتيلاً و3018 جريحاً، من بينهم 133 إصابة بليغة.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي مرآة لحالة من التسيب والخلل العميق في منظومة السلامة الطرقية، تُطرح معها علامات استفهام كبيرة حول فعالية السياسات المعتمدة والمسؤوليات الملقاة على عاتق المؤسسات المعنية.
الأرقام تتكرر… والنتائج غائبة
تكرر بلاغات المديرية العامة للأمن الوطني الأسباب نفسها: عدم انتباه السائقين والراجلين، عدم احترام حق الأسبقية، تغيير الاتجاه دون إشارة، والسرعة المفرطة. لكن إلى متى نظل نكتفي بتعداد الأسباب دون أن نلامس حلولاً فعلية تقي المجتمع من هذه الكوارث اليومية؟ أين هي الجهود التوعوية الفعالة؟ ولماذا لا يتم الاستثمار الحقيقي في التربية الطرقية والتكوين المستمر للسائقين والراجلين على حد سواء؟
الغرامات ليست حلاً
سجلت المصالح الأمنية 51417 مخالفة في أسبوع واحد، وأحالت 9346 محضراً على القضاء، وبلغت الغرامات الصلحية المحصلة 9.3 ملايين درهم. ولكن، هل العقوبات المالية وحدها كافية لردع المخالفين؟ وهل تحوّلت المراقبة الطرقية إلى مجرد أداة لجمع الأموال بدل أن تكون وسيلة لحماية الأرواح؟ ما موقع الجانب التربوي والتحسيسي في استراتيجية الدولة؟
دور الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية: أين الخلل؟
تُعد الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية طرفاً محورياً في هذه المعادلة، فهي المسؤولة عن التخطيط والإشراف على البرامج الوقائية والتكوينية. لكن غيابها في الميدان وندرة حضورها في وسائل الإعلام تثير تساؤلات حول مدى قدرتها على التأثير. ما الذي تحقق فعلاً من الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية 2017-2026؟ وهل تم تقييمها بعد خمس سنوات من إطلاقها؟ وأين هو التنسيق بينها وبين وزارات النقل والداخلية والتربية الوطنية؟
السياق العام يزيد الطين بلة
لا يمكن فهم هذه الأرقام دون الإشارة إلى واقع البنية التحتية المتهالكة، غياب الصيانة الدورية، ضعف إشارات المرور، وفوضى السير في عدد من المدن والمراكز الحضرية. كما أن ضعف المراقبة في الوسط القروي يزيد من حجم الخطر، في ظل غياب التغطية الأمنية واللوجستية الكافية.
الحاجة إلى قطيعة مع منطق الحملات الموسمية
الحلول الترقيعية لم تعد كافية. نحن بحاجة إلى قطيعة حقيقية مع منطق الحملات المناسبة، والانتقال إلى سياسة عمومية مندمجة وطويلة النفس. من الضروري إدماج السلامة الطرقية في المناهج الدراسية، وضع برامج تكوين إلزامية ومستمرة، تعزيز التشوير الطرقي، وربط المسؤولية بالمحاسبة على المستوى الجهوي والمحلي.
من يحمي المغاربة على الطريق؟
من غير المقبول أن يستمر المغاربة في دفع ضريبة الدم على طرقات بلادهم كل أسبوع. هل نحن في حاجة إلى إعلان حالة طوارئ مرورية؟ وهل يمتلك صناع القرار الشجاعة للاعتراف بالفشل وإعادة بناء المنظومة من جديد؟
هذه الأسئلة، وأكثر، يجب أن تتحول إلى محور نقاش وطني حقيقي، لأن استمرار هذا الوضع هو في حد ذاته مأساة جماعية تتطلب حلاً عاجلاً لا مزيداً من البيانات.