في تقريرها السنوي، كشفت رئاسة النيابة العامة المغربية عن متابعة 21 صحافياً خلال عام 2023، وحجب 9 مواقع إخبارية، ورفض التصريح لأربعة أخرى، في مؤشرات تعكس استمرار الجدل حول حرية الصحافة وحدودها القانونية في المملكة. وبينما تسجل هذه الأرقام انخفاضاً مقارنة بعام 2022، حيث بلغ عدد المتابعات 45، إلا أنها تطرح تساؤلات جوهرية حول الإطار القانوني والتنظيمي الذي يحكم الممارسة الصحفية في المغرب.
متابعات الصحافيين: بين الحق في الإخبار والمسؤولية القانونية
وفق التقرير، فإن 14 صحافياً تمت متابعتهم بناءً على شكايات عادية، و5 آخرين بمبادرة من النيابة العامة، فيما توبع صحافيان بناءً على شكايات مباشرة. وتؤكد النيابة العامة أنها تعتمد سياسة “ترشيد تحريك الدعوى العمومية”، وأنها توجه المشتكين إلى القضاء المدني إلا في الحالات التي يقتضي فيها القانون تدخلاً مباشراً من النيابة.
لكن، هل يعكس هذا النهج حرصاً على التوازن بين حرية الصحافة واحترام القانون، أم أنه يشير إلى استمرار إشكالات في البيئة القانونية المنظمة للعمل الصحافي؟ وما هي طبيعة القضايا التي جرت فيها المتابعات؟ هل يتعلق الأمر بتجاوزات مهنية صريحة، أم أن بعض المتابعات قد تتصل بمضامين نقدية للسلطة أو شخصيات نافذة؟
حجب المواقع الإخبارية: ضبط الفوضى أم تقييد الإعلام؟
يبرز التقرير أن 9 مواقع إخبارية جرى حجبها بسبب عدم احترامها لمقتضيات النشر، في حين لم يتم حجز أي مطبوعات ورقية أو سحب محتوى إعلامي منشور. ويرتبط حجب المواقع عادة بعدم الامتثال لشروط قانون الصحافة والنشر، مثل غياب المدير المسؤول أو عدم التصريح القانوني.
لكن السؤال المطروح: هل يتم تطبيق هذه القوانين بشكل موحد على جميع وسائل الإعلام، أم أن هناك استهدافاً انتقائياً لبعض المنابر دون غيرها؟ وهل يتعلق الحجب بعوامل تقنية وتنظيمية، أم أن بعض الحالات قد تكون مرتبطة بمحتوى هذه المواقع وخطها التحريري؟
رفض التصريح لـ4 مواقع إلكترونية: أي معايير تحكم القرار؟
إلى جانب المتابعات والحجب، كشف التقرير عن رفض منح التصريح لأربع صحف إلكترونية، دون تقديم توضيحات حول أسباب هذا الرفض. وهنا تبرز إشكالية الشفافية في تطبيق القانون، فهل يعود ذلك إلى عدم استيفاء الشروط القانونية، أم أن الأمر قد يرتبط بمعايير غير معلنة تحدد مدى قبول أو رفض التصريحات؟
السياق العام: هل يتجه المغرب إلى ضبط المشهد الإعلامي؟
يأتي تقرير النيابة العامة في سياق يشهد نقاشاً متزايداً حول مستقبل حرية الصحافة في المغرب، حيث تواجه الصحافة الرقمية تحديات قانونية وتنظيمية متزايدة. في المقابل، تشهد الساحة الإعلامية انتشاراً متزايداً لمنصات بديلة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت تشكل مصدراً رئيسياً للأخبار، لكنها تفتقر إلى الضوابط المهنية المعتمدة في الصحافة التقليدية.
فهل تعكس هذه الإجراءات سعياً حكومياً لتنظيم القطاع وضبط معاييره، أم أن هناك اتجاهاً للحد من دور الإعلام المستقل في المشهد السياسي والاجتماعي؟ وهل يمكن تحقيق التوازن بين حماية حقوق الأفراد والمؤسسات، وضمان مناخ إعلامي حر ومسؤول؟
خلاصة: بين الحاجة إلى الإصلاح وضمان حرية التعبير
من الواضح أن تقرير النيابة العامة يعكس توجهاً نحو ضبط الممارسة الصحفية وفق الأطر القانونية، لكن هذا لا يمنع من طرح تساؤلات حول كيفية تطبيق هذه القوانين ومدى انسجامها مع الضمانات الدستورية لحرية التعبير. فإذا كان المغرب يسعى إلى تعزيز مكانته كدولة تحترم الحريات، فإن أي إجراء ضد الصحافيين أو المنابر الإعلامية يجب أن يكون مبرراً بشكل واضح، بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو تأثيرات غير معلنة.
وبالتالي، فإن مستقبل الصحافة في المغرب يظل رهيناً بقدرة الدولة على تحقيق معادلة صعبة: تنظيم القطاع الإعلامي دون المساس بجوهر حرية التعبير، وضمان التعددية الإعلامية دون الوقوع في فخ التقييد والرقابة غير المبررة.