29 مليار درهم في صادرات السمك.. أرقام تلمع وسوق محلية تجوع: من المستفيد؟

0
121

في جلسة عابرة داخل قبة البرلمان، ألقت زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، رقمًا ثقيلًا على الطاولة: 29 مليار درهم هي قيمة صادرات المنتجات البحرية المغربية سنة 2024، مقابل 13 مليار فقط قبل 14 عامًا. بدا التصفيق متوقعًا، لكن ما لم يُقال أكثر إثارة مما قيل.

فورًا، تتقافز الأسئلة: إذا كان المغرب يصدر بهذا الحجم، فلماذا يزداد السمك غلاءً في الأسواق المحلية؟ وإذا كان التغير المناخي يهدد المخزون السمكي، فكيف تتوسع الصادرات؟ وهل استراتيجية “أليوتيس” حلّت فعلاً المعضلات أم فقط رتّبت الواجهة؟

بين قفزة الأرقام وتقلّص العمق

تشير الأرقام الرسمية إلى ما يشبه “الطفرة”:

  • ارتفاع الكميات المفرغة من 1.14 إلى 1.42 مليون طن.

  • تضاعف القيمة المضافة من 6.7 إلى 16 مليار درهم.

  • توسع البنية التسويقية بـ70 سوقًا للجملة، منها 14 من الجيل الجديد.

لكن المثير هو ما تخفيه هذه الأرقام: 84% من هذه الكميات تتعلق بأسماك سطحية زهيدة الثمن (كالسردين)، بينما تشهد الأسماك ذات القيمة العالية (التونة، الحبار، الذئب) تراجعًا بفعل الاستنزاف والصيد الجائر. فهل يتعلق الأمر بنمو حقيقي أم بتسويق كمي هش؟

المناخ كبش فداء؟

في تدخلها البرلماني، ألقت الدريوش باللائمة على العوامل المناخية، معتبرة أن “تقلّب البحر” و”التغيرات المناخية” تؤثر على وفرة العرض. لكنها سرعان ما ربطت ذلك بـ”منطق السوق”، الذي يجعل الأسعار خاضعة للعرض والطلب.

لكن المتتبعين يتساءلون: هل تمتلك الوزارة فعلاً سياسات تأقلم بيئي مستدام؟ أم أن شماعة المناخ تُستخدم لستر الأعطاب الأعمق، من ضعف التخطيط إلى غياب الرقابة الميدانية؟

سوق محلية فقيرة.. رغم الأسواق الـ70

الدريوش تحدثت عن شبكة من الأسواق لتوزيع السمك محليًا، لكن ذلك لم ينعكس في واقع المواطن. فـالأسعار تواصل الارتفاع، والجودة تتراجع، والندرة تسود في مناطق داخلية.

فهل فشلت الدولة في ضبط توزيع الثروة البحرية داخل المغرب؟ أم أن لوبيات التصدير باتت تتحكم في الأولويات، حتى لو كان الثمن تجويع السوق الوطنية؟

“أليوتيس”: ورقة الإنجاز أم قناع التقصير؟

أُطلقت “أليوتيس” قبل سنوات كاستراتيجية إنقاذ، فهل نجحت؟ بعض الإنجازات لا يمكن إنكارها على مستوى الهيكلة وتنظيم التصدير. لكن ماذا عن:

  • الصيد غير القانوني الذي يستنزف المخزون.

  • ضعف الرقابة داخل موانئ التفريغ.

  • ظروف البحارة القاسية التي تزداد هشاشة.

أليس هذا توازنًا مختلًا بين “التسويق” و”الحماية”؟ بين “التصدير” و”السيادة الغذائية”؟

فخ الأرقام ومأزق الرؤية

صحيح أن 29 مليار درهم رقم مُغرٍ للعناوين، لكن هل يكفي وحده؟ هل نمتلك في المغرب شجاعة السؤال الحقيقي:هل نسير نحو سيادة بحرية عادلة؟ أم فقط نحو تصدير رخيص يُضعف الداخل ويغذّي الخارج؟

إن لم تُصحح البوصلة، فإن المعجزة البحرية قد تنفجر كفقاعة، وتترك خلفها بحارة مفقرين، وأسواقًا منهوبة، وثروة وطنية مهددة.