370 يوما على زلزال الحوز..تقرير يفضح عدم جاهزية مؤسسات الدولة لتدبير الكوارث الطبيعية في ثاني أكثر الجهات فقرا بنسبة 11.3% في المغرب

0
501

تتواصل معاناة الأسر  المتضررة من الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز في الثامن سبتمبر الماضي، في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المطالبة بالتدخل العاجل لتوفير ظروف العيش الكريم وتدارك الاختلالات التي تعرفها عمليات التعويض وإعادة الإعمار، في ظل إمعان مؤسسات الدولة في انتهاج سياسة التقاعس.

وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات ومقاطع فيديو تحكي عن أسر تم إقصاؤها من الاستفادة من التعويضات المخصصة للضحايا، وعن تجاوزات كثيرة تتطلب تدخلا عاجلا من طرف الحكومة، مع تواصل المطالب برفع التهميش والمعاناة عن الأسر التي تستغيث منذ تسعة أشهر.

وللوقوف على أسباب الفشل في الماضي هو الخطوة الأولى نحو تحقيق النجاح في المستقبل، قاعدة من قواعد علم إدارة الأزمات تنسب صياغتها إلى العالم السياسي الأميركي سيوم براون، فما حظ العالم العربي -الذي تعرض لأكثر من كارثة طبيعية آخرها زلزال الحوز- منها؟

بعد كل كارثة تتزايد انتقادات حكومة الكفاءات الحالية ثم سرعان ما تمر الأيام وتتلوها الشهور وتتلاشى مرارات الحدث ويتوارى معها أصوات الناصحين، لكنها لا تلبث أن تعود مرة أخرى فتتعالى من جديد بعد أن تستيقظ على قرع كارثة جديدة.




وفي هذا الصدد، كشف تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان معاناة “متضرري زلزال الحوز” وعدم جاهزية مؤسسات الدولة في تدبير الكوارث في المناطق المتضررة من الزلزال، ناهيك عن “فضيحة” في حق المؤسسات الحكومية بكافة أنواعها .. وكشفت عن عوار في حق الحكومة التي تقول ما لا تنفذه وتستخف بعقول المواطنين بوقف التصريحات الوردية قبل حدوث الانفجار المدوي الذي يقضي عليها , حيث يلمس غياب البرامج على المستوى الوطني موضوعة ومصممة لمواجهة الكوارث الطبيعية بصفة عامة، التي يشهدها المغرب، وضعف الإمكانات اللوجستية ووسائل التدخل ورجال الإغاثة والإنقاذ المتخصصين خاصة على مستوى إقليمي الحوز وشيشاوة.

وأكد التقرير ضعف تدخل أجهزة الدولة لتقديم خدمات الايواء والغذاء للمتضررين، مع تسجيل ارتفاع منسوب الدعم والمساعدات من طرف مختلف مكونات الشعب المغربي، ومن جميع المناطق مما ساهم في تخفيف معاناة الساكنة في ظل استمرار تقاعس الدولة ومؤسساتها.

واعتبر أن الحكومة لم تتخذ تدابير استعجالية لتوفير الايواء للمتضررين أولا، حيث عاشت الساكنة فصلي الخريف والشتاء في ظروف صعبة، رغم أن الدولة كانت تطالعنا على برنامج خصصت له الملايير وعقدت حول اجتماعات متعددة لتخلص في النهاية إلى تقديم دعم اولي للبناء نؤكد أنه لن يبني حتى كوخا آمنا.

وأشار أنه اذا كان من الطبيعي حدوث انهيارات أو تشققات أو أضرار ببعض المباني كنتيجة لا محيد عنها للزلال المدمر، فإن ما أصاب العديد من المباني بمراكش كان العامل البشري والسياسات والبرامج المغشوشة والفاشلة حاسمة في رفع نسبة الأضرار، فالغش وعدم احترام الجوانب العلمية والفنية وغياب الجودة وضعف المراقبة كانت سببا في الانهيارات التي طالت أجزاء السور التاريخي وتضرر بعض المآثر بما فيها مسجد الكتبية، والملاحظ أن الانهيارات لم تمس الأصل الذي بقي صامدا بل طالت فقط ما سمي الترميم.

ولفت التقرير إلى أن أغلب المباني المنهارة بالمدينة العتيقة كانت مصنفة كمنازل آيلة للسقوط منذ سنوات، والتي  أسند أمر معالجتها لأحد مكاتب الدراسات الذي تكلف  بتحديد درجات خطورتها على السلامة، وتحديد شروط هدمها أو ترميمها الا أن المشروع لم يتم إنجازه بالشكل المطلوب رغم الغلاف المالي المخصص لذلك والمدة الزمنية الطويلة، وتستغرب الجمعية من التبريرات غير المقنعة لفشل البرنامج حيث يصرح المسؤولين الى أن السبب يعود الى عدد المتدخلين وتداخل الاختصاصات ، وامام الفشل ظهر برنامج آخر 2018  سمي بتثمين المدينة العتيقة.

وسجل أيضا ضعف مستوى التأهب من حيث البنيات والتجهيزات والأطقم المتخصصة، وغياب التدخّل العاجل والفعال للتصدّي السريع في الأيام الأولى لحدوث الزلزال، مما رفع من حجم الخسائر البشرية في الأرواح وزاد من استفحال الإصابات، إضافة الى أن المعالجة المتّبعة حاليا لتقليص المخاطر وإعادة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها في المناطق المتضررة لا تسير وفق مقاربة فعّالة وناجعة.

وانتقد بناء مخيّمات عبارة عن خيام لن تصمد إطلاقا حتى أمام ملمترات محدودة من التساقطات المطرية كما حدث بمناطق بالحوز يوم 20 أكتوبر، كما أن عدد الخيام لا يغطي كل الأسر، وضعف المرافق الصحية وتلك الخاصة بالنظافة في المخيمات مما قد يسبب ظهور أمراض وانعكاسات سلبية صحية على الساكنة، والغياب التام لشروط النظافة والوقاية داخل المخيمات، إذ يشتكي المواطنون وخاصة النساء والمرضى والشيوخ من عدم الاستحمام منذ الزلزال، في غياب الماء الساخن وعدم تجهيز أماكن لذلك.

ونبه التقرير إلى تراكم الأنقاض وغياب أي تدخل لإزالتها، باستثناء الانهيارات الصخرية أو تلك التي تسبّبت في قطع الطرق، وعدم إصلاح وترميم نقط ومصادر ومجاري المياه من عيون وآبار وسواقي متضرّرة من الزلزال أو التي عرفت نضوبا قبله، ما عرض الساكنة المعنية بها والمتضرّرة لنقص حاد في المياه الكافية للريّ وإنقاد أغراسها، وللمياه الصالحة للشرب، خاصة أمام استعمال خزانات بلاستيكية معرّضة لمخاطر صحية، إضافة الى غياب الدعم للأنشطة الفلاحية والحرفية أوتوفير فرص الشغل لمن فقدها جراء الزلزال.

وشدد على ضرورة تجاوز سياسة الترقيع والدعاية المجانبة للحقيقة والواقع، والعمل بسرعة على توفير البنيات والخدمات الاجتماعية التي لا غنى عنها في مجالات التعليم والصحة والطرق والماء والكهرباء، وذلك بمراجعة مقاربتها الحالية وحلولها غير الناجعة.

وأكد التقرير على أهمية إعطاء الأولوية، وفي زمن معقول، لبناء السكن اللائق وفي المناطق الملائمة، وتشييد أو إصلاح البنيات والمؤسسات والمرافق ذات الأولوية خاصة المتعلّقة بالتعليم والصحة والطرق والماء والكهرباء، وعلى توفير متطلبات العيش الكريم للساكنة من غذاء ودواء ومواد النظافة والوقاية والماء الصالح للشرب، وحطب التدفئة وضمان موارد العيش الكريم و غيرها، باعتبارها مهمّة مستعجلة ممكن تحقّقها لو توفرت الإرادة السياسية  والفعالية والنجاعة لذى المسؤولين.

بدوره ، وجه البرلماني رشيد حموني (معارضة) سؤالا إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، حول تفعيل برنامج مساعدة الساكنة المتضررة من الزلزال في إقليم أزيلال، ويضع العامل عطفاوي أمام مسؤولياته، موضحا أن السلطات العمومية لم تتفاعل بسرعة وبالنجاعة اللازمة مع التعليمات الملكية بخصوص تداعيات زلزال 8 شتنبر 2023، حيث أعطى الملك محمد السادس توجيهاته من أجل مساعدة المتضررين وإعادة بناء وإعمار المناطق المنكوبة وفق معايير محددة.

وكشف النائب البرلماني عن مجموعة من الاختلالات التي تعرفها عملية حصر المساكن المتضررة كليا أو جزئيا، من خلال الابتعاد أحيانا عن المعايير الموضوعية لحساب حسابات علائقية مختلفة، مع إقصاء بعض مستحقي الاستفادة، لاسيما الأرامل والأشخاص في وضعية إعاقة، لأسباب غير موضوعية.

وأضاف حموني، أن برنامج المساعدة الخاص بإقليم أزيلال يعرف بطء تأهيل البنية التحتية المتضررة، وخاصة طريق توفغين، تاكوخت، أيت حمزة، إكورضا نعلي بجماعة أيت تمليل، ودواوير إسكاد بجماعة أيت بواولي ودوار أدار وتمغارين بجماعة أيت أمديس ودواري تغروط وتغمرت بجماعة تفني.




وفي ظل عدم الاهتمام الكافي بشكايات المتضررين، دعا “التقدم والاشتراكية” وزير الداخلية إلى التدخل واتخاذ التدابير اللازمة على الصعيد المركزي في علاقة مع المصالح والهيئات المعنية من أجل معالجة الاختلالات.

نحن المغاربة نفتقد في حياتنا إلى العلم ولا سيما علم إدارة الأزمات، رغم أننا ما نكاد نخرج من أزمة حتى ندخل في أخرى، فناهيك عن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بنا، يوجد على المستوى الفردي غياب لعلم وفكر وثقافة إدارة الأزمة.

ويقطن في إقليم الحوز  وسط المغرب المنسي حوالي 572 ألف نسمة، بحسب أحدث معطيات المندوبية السامية للتخطيط، يتمركز معظمهم بمناطق أيت أورير وأوريكة وأغواتيم وسيدي عبد الله غيات، وستي فاضمة وغمات، بنسب تتراوح بين 39 ألف و24 ألف نسمة بكل منطقة.

ويصل إجمالي السكان القرويين في الحوز إلى 488 ألف شخص، مقابل 84 ألفا يعيشون في المراكز والمناطق الحضرية التابعة للإقليم الذي يضم 37 منطقة قروية، مقابل 3 مقاطعات حضرية فقط، وفقا للمندوبية الحكومية المعنية بالإحصاءات.

وبحسب الأستاذ في جامعة القاضي عياض في مراكش، عبد الرحيم العلام، فإن الزلزال الذي قضت فيه تجمعات سكنية بكاملها تحت الأنقاض يعري حالة “الفقر والحاجة” التي يعانيها سكان الإقليم و”ضعف البنيات التحتية والخدماتية”.

ويوضح العلام في تصريح سابق، أن إقليم الحوز يعاني من “تخلف تنموي كبير”، حيث يضم أفقر المناطق على المستوى الوطني، مشيرا إلى أن منطقة إيغيل، بؤرة الزلزال، تعد واحدة من أكثر مناطق البلاد فقرا.

وتبلغ المساحة الإجمالية للحوز 6212 كيلومترا مربعا، وتحده كل من أقاليم مراكش وقلعة السراغنة شمالا، وتارودانت وورزازات جنوبا، وشرقا أزيلال، وغربا إقليم شيشاوة.

وتشكل الجبال 74 بالمئة من إجمالي تضاريسه، وتتراوح ارتفاعاتها بين ألف و 4167 مترا، ارتفا جبل “توبقال” الذي يمثل أعلى قمة جبلية في البلاد.

ويلفت الأستاذ المغربي إلى أن قرى في المنطقة ما زالت “شبه معزولة” عن العالم الخارجي، في ظل غياب طرق معبدة نحوها، وضعف الخدمات الاجتماعية والاقتصادية المقدمة لها.

ويكشف العلام أن موارد كل قرى وبلدات الحوز “ضعيفة”، باستثناء مناطق مركزية مثل إمليل وورغان ووسلي وأمزيز، التي تقوم أساسا على النشاط السياحي والتجاري.

“المنطقة الأكثر فقرا في المغرب المنسي”

ويعتمد الإقليم في موارده أساسا على الزراعة، وخاصة حقول الزيتون والجوز، إضافة إلى قطاع تربية المواشي، كما  تعد السياحة إحدى ركائز الاقتصاد المحلي في الحوز، الذي يضم مناظر طبيعية خلابة والقريب من مدينة مراكش، الوجهة السياحية العالمية.

ويعول السكان المحليون في ضمان قوت يومهم أيضا على صناعات المنتوجات المحلية والحرف اليدوية مثل صناعة الفخار والمنسوجات والنحت عى الحجر وصناعة السجاد.

وبالرغم من تسجيل جهة مراكش آسفي عامة والحوز خاصة لواحدة من أدنى مستويات البطالة، إلا أن تقارير رسمية أخرى تصنف الإقليم ضمن أقل مستويات التنمية المحلية على صعيد البلاد وأيضا من ضمن الأعلى في مستويات الفقر.

وكشفت معطيات إحصائية لترتيب الجهات المغربية (أي الوحدات الإدارية) حسب معدلات الفقر، أن جهة مراكش ـ آسفي ثاني أكثر الجهات فقرا بنسبة 11.3 بالمئة، فيما تصدرت الجهة التي ينتمي إليها إقليم الحوز، قائمة الجهات التي تضم أكبر عدد من الفقراء بالمغرب.

ويشير الجامعي المغربي إلى أن التعقيدات الجغرافية “تعمق من هشاشة وفقر سكان هذه المناطق”، موضحا أن بعضها يقع في مناطق وعرة يصعب التنقل إليها إلا عبر الدواب أو قطع مسافات طويلة مشيا.

أمام هذه الوضعية يشير إلى أن إطلاق استثمارات فيها يبقى “صعبا”، حيث إن المساحات الزراعية مثلا محدودة، ويعتمد أغلب السكان على الزراعة المعيشية وليس التسويقية، كما يبقى حجم النشاط التجاري والصناعي ضعيفا، باستثناء بعض الصناعات التقليدية، مثل الفخار وصناعة السجاد وبعض المنسوجات، وفق المتحدث ذاته.

ويوضح بالمقابل أن كل هذه التحديات “ليست مبررا من أجل إقصاء ساكنة هذه المناطق أو التخلي عنها”، مشيرا  أيضا إلى إلى أوجه القصور  ومسؤولية الدولة في ما وصلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بإقليم الحوز.

ومن نماذج ذلك، يشير العلام إلى أن جماعات تضم عشرات القرى، وجدت أنفسها بدون آلية واحدة لرفع الأنقاض، رغم أن طبيعة وجغرافية المنطقة الجبلية تستدعي بشكل بديهي التوفر على مثل هذه الأدوات.

ويشدد المتحدث ذاته على ضرورة تشجيع ودعم القطاع الفلاحي، وإطلاق مشاريع تنموية وصناعية وسياحية تنعش النشاط الاقتصادي بالمنطقة، بالإضافة إلى رفع الدعم الحكومي الموجه لها.