Des manifestants brandissent des pancartes lors d'une manifestation menée par des jeunes, place Mohammed V à Casablanca, le 6 octobre 2025. Ils réclament des réformes de la santé publique et de l'éducation. Abdel Majid BZIOUAT / AFP
حين تتحوّل المادة الصحفية إلى مساءلة للوعي: لماذا نعيد قراءة النص… قبل إعادة تحريره؟
في الصحافة التقليدية، يكفي أن نعيد صياغة النص لنقول إننا طوّرناه. لكن في «المغرب الآن»، معيار التطوير ليس لغويًا ولا تقنيًا؛ إنه معيار وعي.
هنا، لا نستعيد المادة الصحفية كما وردت، ولا نكتفي بتنعيم زواياها أو تقويم بنيتها. بل نعيد النظر في الفكرة التي تحملها: في خلفيتها، في فراغاتها، في صمتها أكثر من كلماتها، وفي الأسئلة التي لم تُطرح لأنها لم تكن مرئية لحظة الكتابة.
إنها ليست إعادة صياغة، بل إعادة تفكير.
عندما يتحدث الكاتب لحسن حموش عن 50 مليار درهم تُسرق كل سنة، فهو لا يقدّم رقمًا جديدًا بقدر ما يضع إصبعه على الجرح المفتوح الذي تحاول الدولة المغربية، في خطابها الرسمي، التعامل معه كعارض ثانوي لا كبنية نافذة في عمق النظام.
لكن في قراءة «المغرب الآن»، هذا الرقم ليس مجرد معطى، بل مؤشر تحوّل خطير: بلدٌ يعيش على اقتصادٍ يبدو، في أجزاء منه، مُركّبًا على أجهزة الإنعاش، تُضخّ فيه رساميل مصطنعة، بينما تُستنزف قدراته الحقيقية في الظل.
من الفساد كجريمة فردية… إلى الفساد كبنية حكم
يعرض النص الأصلي معطيات من INPPLC، من OCDE، ومن تقارير وطنية، ليقول إن الفساد يكلّف المغرب ما بين 3.5% و6% من الناتج الداخلي الخام. لكن القراءة التي يحتاجها المشهد المغربي اليوم ليست رقمية فقط، بل بنيوية:
هل نحن أمام حالات فساد متفرقة؟
أم أمام اقتصاد سياسي قائم على توزيع الامتيازات بدل الإنتاج؟
هل دخل المغرب مرحلة “الدولة الورقية” التي وصفها الكاتب، حيث القوانين تُكتب، ولكن لا تنزل إلا عندما تُريد الشبكات المستفيدة؟
المشكلة، هنا، ليست في وجود اللوائح القانونية، بل في تكتيك تطبيقها. القانون حاضر، لكن الإرادة السياسية في تطبيقه لتغيير ميزان القوى غائبة. الفساد في هذه القراءة ليس أخلاقيًا فقط، بل أداة لضبط الحقل السياسي.
المؤسسات الرقابية: حضور شكلي أم وظيفة معطّلة؟
تُظهر أرقام OCDE مفارقة خطيرة: المغرب يحقق 73% في الإطار الاستراتيجي لمكافحة الفساد، لكن فقط 53% في التنفيذ.
هذا يفتح سؤالًا جوهريًا: هل تم بناء المؤسسات لمكافحة الفساد… أم لاحتواء النقاش حول الفساد؟
“المغرب الآن” ترى أنّ المسألة لم تعد مرتبطة بالقدرات التقنية للمؤسسات، بل بطبيعة العقد السياسي بين الدولة والمجتمع:
مؤسسات رقابية تكتب التقارير ولا تُفَعَّل توصياتها.
حكومة تعلن الحرب على الفساد دون أن تبدأها فعليًا.
قضاء يتحرك عندما يُسمح له وليس عندما يجب عليه.
في ظل هذا التوازن، يصبح الفساد جزءًا من لعبة السلطة.
السوق العمومية: حيث تُصنع الثروة… وتُسرق
النص الأصلي يستعرض اختلالات خطيرة في الصفقات العمومية: – دراسات تُطلب بلا حاجة. – صفقات “مفصّلة”. – شركات تربح بسبب الولاء لا الجودة. – مديرون ومنتخبون يمنحون مشاريع لشركات أقاربهم…
لكن القراءة التحليلية تكشف ما هو أخطر: إنه اقتصاد موازٍ داخل الدولة نفسها. منطق “التفصيل على المقاس” ليس صدفة، بل أحد تجسدات الرأسمالية الزبونية التي تحكم علاقة المال بالسلطة في المغرب منذ عقود.
الاقتصاد الوطني هنا لا ينزف فقط… بل يتحول إلى اقتصاد ريعي مقنّن تديره شبكات محلية وجهوية.
قضية “الكلوريد” ليست استثناءً… بل دلالة
المواجهة البرلمانية حول دواء كلوريد البوتاسيوم ليست مجرد حادثة. هي علامة سياسية على فقدان الثقة داخل مؤسسات الدولة نفسها. عندما يلجأ نائب برلماني إلى اتهام وزير أمام الكاميرات، فهذا يعني أن القنوات الداخلية إما:
مسدودة، أو
غير مؤتمنة، أو
لا تستجيب إلا إذا خرج الملف إلى الرأي العام.
وهذه حالة تتكرر في ملفات الجماعات المحلية، والصفقات، والتهيئة الحضرية، وحتى الصحة والتعليم.
التشريع الجديد: ضبط للفساد أم ضبط للتبليغ عن الفساد؟
إحدى أخطر النقاط التي طرحها الكاتب هي تقييد حق المجتمع المدني والمواطنين في رفع شكاوى الفساد. اشتراط أن تُرفع قضايا اختلاس الأموال العامة حصريًا عبر الوكيل العام، وبناء على تقارير رسمية، يعني عمليًا:
إغلاق الباب أمام قضايا الفساد الكبرى.
تحويل الدولة إلى الخصم والحكم في الوقت نفسه.
تجفيف المبادرات المدنية المستقلة.
من منظور «المغرب الآن»، هذا التشريع يعكس تحولًا نحو مركزية قضائية هدفها حماية البنية القائمة، وليس الإصلاح.
الفساد كعائق حضاري
ما يعيشه المغرب ليس فقط فسادًا ماليًا، بل تآكلًا في العقد الاجتماعي. الشباب يغادرون لأنهم لا يجدون معنى في دولة تُنفق 50 مليار درهم على جيوب قليلة، بينما مستشفيات الأقاليم تعجز عن توفير سرير أو قنينة أوكسجين. ليس الأمر ماليًا… بل أخلاقيًا وسياسيًا.
الفساد هنا ليس ظاهرة، بل علاقة قوة، تُعيد إنتاج نفسها عبر:
إضعاف القضاء
التحكم في الإعلام
تدجين المجتمع المدني
شراء الولاءات
تسييج النقاش العمومي
**ماذا بقي؟…
بقي سؤال واحد، وهو سؤال المستقبل: هل يمكن للمغرب أن يستمر في تجريب نماذج التنمية بينما يتبخر 50 مليار درهم كل عام؟
الحقيقة التي تقولها هذه القراءة بوضوح: لا نموذج تنمويّ يمكن أن ينجح مع نموذج فساد ناجح.
الاختيار واضح: إما دولة المؤسسات، أو دولة الشبكات. وكلاهما لا يمكن أن يتعايشا طويلًا.
كلمة أخيرة بروح «المغرب الآن»
النص الأصلي صرخة. لكن القراءة الجديدة التي نقدّمها هنا ليست صرخة… بل تشخيصًا سياسيًا لمسار يحتاج إلى جرأة لا إلى وعود.
فالبلدان لا تُبنى على مليارات مسروقة، بل على:
حقيقة تُقال، وعدالة تُنفذ، ومسؤولية تُقبل.
وذلك هو جوهر الصراع اليوم: بين من يريد بناء المغرب، ومن يريد بناء ثروته داخل المغرب.