73 مليار درهم في جيوب 18 مستوردًا: دعم عمومي أم سرقة موصوفة؟ والمسؤولية القضائية: هل ستطال محاكمة “الكبار”؟

0
302

المال العام في المغرب: لماذا تتعثر محاربة الفساد رغم ضجيج المطالبات بالقضاء على الإفلات من العقاب؟

الفساد.. ذلك “الفيل” في الغرفة المغربية

في الوقت الذي يُعلن فيه مسؤولون عن “حرب شاملة” على الفساد، تطفو على السطح بين الحين والآخر فضائح مالية ضخمة تثير غضب الرأي العام، دون أن تُتبع بمحاكمات حاسمة.

اليوم، يعود النقاش بقوة مع رسالة مفتوحة وجهها محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى النيابة العامة، مُطالبًا بـ “إحالة كل ملفات الفساد على القضاء”، ووضع حد لسياسة “الكلام الكبير والملاحقات الصغيرة”.

هل نحن أمام لحظة تحوّل حقيقية في معركة محاربة الفساد؟ أم أن الأمر مجرد ضجيج إعلامي آخر سينتهي بـ “إبراء الذمم” و “إغلاق الملفات” كما حدث في سوابق عديدة؟

الوقائع: من “فضيحة استيراد الماشية” إلى المطالبة بمحاكمة “الكبار”

تأتي رسالة الغلوسي في سياق فضيحة استيراد الماشية التي أثارها نزار بركة، وزير التجهيز والماء سابقًا، حيث كشف عن استفادة “مافيات” من دعم عمومي بمليارات الدراهم دون أن ينعكس ذلك على أسعار اللحوم. بلغة الأرقام:

  • مليارات من الدعم العام ذهبت إلى جيوب مستوردين محظوظين.

  • ارتفاع جنوني في أسعار اللحوم بينما تنتفخ أرصدة “المتنفذين”.

  • غياب أي محاسبة رغم ضجيج التصريحات الرسمية.

فضيحة دعم استيراد المواشي: عندما يتحول الدعم العمومي إلى “ريع خاص”

في سياق الجدل المتصاعد حول نهب المال العام، برزت معطيات خطيرة تفيد بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قد باشرت تحقيقًا بخصوص استفادة 18 مستوردًا للأبقار والأغنام من مبالغ مالية ضخمة بلغت ما يقارب 73 مليار سنتيم لكل واحد منهم، في إطار دعم حكومي وإعفاءات ضريبية موجهة للحد من ارتفاع أسعار اللحوم.

غير أن النتيجة كانت صادمة: أسعار اللحوم الحمراء واصلت ارتفاعها الجنوني، بينما انتفخت أرصدة المستوردين والسماسرة الذين التهموا المال العام دون أن تتحرك الحكومة لوقف هذا النزيف.

تصريحات الوزير نزار بركة أكدت هذه الفضيحة، مما يفرض ضرورة تعميق البحث القضائي والاستماع لكل المتورطين، بمن فيهم شخصيات سياسية ونواب برلمانيون استغلوا نفوذهم لتحقيق أرباح خيالية على حساب القدرة الشرائية للمواطنين.

تساؤلات محورية:

  • لماذا تتحول فضائح الفساد إلى “إعلامية” أكثر من كونها “قضائية”؟

  • هل يُعتبر “التنديد العلني” بالفساد من قبل بعض المسؤولين غطاءً لعدم المتابعة الفعلية؟

التحليل: لماذا يفشل المغرب في محاربة الفساد؟

المطالبات بـ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” ليست جديدة، لكنها تصطدم بـجدار سميك من التعقيدات:

  1. ازدواجية المعايير في تطبيق القانون
    الملفات الصغيرة تُسرع فيها النيابة العامة، بينما ملفات “الكبار” تتعثر في متاهات “التحقيق الطويل”.
    غياب الشفافية في تقارير هيئات الرقابة (مثل المجلس الأعلى للحسابات)، والتي نادرًا ما تُترجم إلى إجراءات قضائية.

  2. الفساد كـ”نظام” وليس كـ”حالات فردية”
    الفساد في المغرب مؤسساتي في كثير من الأحيان، مما يجعل ملاحقته تتطلب إرادة سياسية عليا، وليس مجرد إجراءات قضائية.
    الريع والامتيازات أصبحت جزءًا من “الثقافة الإدارية”، مما يُصعب تفكيكها بقرارات فردية.

  3. الإفلات من العقاب: الآلية الأكثر فعالية لحماية الفاسدين
    حتى عندما تُفتح ملفات فساد، فإنها تُغلق بـ:

    • الصفقات السياسية.

    • التقادم الزمني.

    • عدم كفاية الأدلة (رغم وجود تقارير رسمية!).

السياق العام: غضب شعبي ورهان على القضاء

الغلوسي لم يطالب فقط بمحاكمة الفاسدين، بل ربط ذلك بـ:

  • إصلاح دستوري وقانوني يقطع مع “ازدواجية العدالة”.

  • مصادرة أموال المفسدين وردها إلى الخزينة العامة.

  • تخليق الحياة العامة كشرط للتنمية.

لكن السؤال الأكبر: هل يمكن تحقيق ذلك في ظل نظام يعاني من اختلالات هيكلية في الحوكمة؟

الخاتمة: بين الواقع والطموح.. أي مستقبل لملفات الفساد؟

الرسالة المفتوحة للغلوسي تكرّس مفارقة مغربية:

من جهة، ضغط شعبي وإعلامي متزايد لمحاربة الفساد.

من جهة أخرى، غياب إرادة حقيقية لتحويل الفضائح إلى محاكمات.

خياران لا ثالث لهما:

  • الاستمرار في سياسة “التطهير الانتقائي”، التي تُسقط بعض الأسماء الصغيرة وتُبقي على “الكبار”.

  • بدء مرحلة جديدة من المحاسبة الشاملة، حتى لو هزّت أركان النظام.

محاسبة الفاسدين أو التواطؤ معهم؟

مع استمرار تداول الأخبار حول تحقيقات الفرقة الوطنية حول فضيحة استيراد الماشية، يتأكد أن الفساد بات “نظامًا” وليس مجرد أخطاء فردية. فلا يزال المواطنون يشهدون ارتفاعًا في الأسعار بينما يزداد نفوذ المستفيدين. لكن، هل سيتوقف الفساد عند هذا الحد، أم ستظل الملفات تُغلق بحجة “التحقيقات المستمرة”؟

إن هذه القضية تفتح الباب لمناقشة أوسع حول تطبيق العدالة في المغرب، الذي يبقى سؤالًا ملحًا: هل ستنجح السلطات في وضع حد لهذه الظاهرة، أم أن الفاسدين سيواصلون الإفلات من العقاب؟