8.5 مليون مغربي خارج دائرة التأمين الصحي: نقلة نوعية أم عبء جديد على الفئات الهشة؟

0
59

مع إعلان أحمد رضى شامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عن وصول نسبة المسجلين في منظومة التأمين الصحي إلى 86.5%، يبرز مشروع التغطية الصحية كإنجاز اجتماعي بارز يعكس تطلعات المغرب نحو تعميم الحماية الاجتماعية. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تحقق الأرقام المُعلنة عدالة صحية حقيقية، أم أن الفجوات البنيوية تظل عائقًا أمام تحقيق هذا الهدف؟

إنجازات ملموسة وأرقام مشجعة

أظهر مشروع تعميم التغطية الصحية قفزة نوعية، حيث ارتفعت نسبة المشمولين بالتأمين الصحي من أقل من 60% في عام 2020 إلى 86.5% اليوم. هذه النتيجة جاءت بفضل الإصلاحات التشريعية، وأبرزها القانون الإطار رقم 09.21 المدعوم بظهير ملكي عام 2021، الذي يُعتبر نقطة تحول في تنظيم الحماية الاجتماعية.

إضافة إلى ذلك، شكل الانتقال من نظام المساعدة الطبية (RAMED) إلى التأمين الإجباري عن المرض (AMO) محاولة لتوحيد الأنظمة الصحية وضمان استدامتها. ولكن، هل يكفي هذا التقدم لتحقيق العدالة الصحية التي يطمح إليها الجميع؟

فجوات لا يمكن تجاهلها

رغم الإشادة بالإنجازات، فإن الواقع يكشف عن تحديات جوهرية. لا يزال 8.5 مليون مغربي خارج دائرة الحماية الصحية، بينهم 5 ملايين غير مسجلين، و3.5 مليون في وضعية تُعرف بـ”الحقوق المغلقة”، ما يعني أنهم محرومون من الاستفادة رغم تسجيلهم.

هذه الأرقام تثير تساؤلات عديدة: هل المشكلة تكمن في التمويل، أم في تعقيدات إدارية تحول دون شمولية النظام؟ وما هي الخطوات العملية لسد هذه الفجوة؟

أعباء مالية تثقل كاهل المواطنين

واحدة من أبرز الإشكاليات التي أشار إليها شامي هي أن نسبة المصاريف الصحية التي يتحملها المؤمَّنون مباشرة تصل إلى 50%، أي ضعف السقف الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي (25%).

هذا الوضع يدفع بالكثير من المواطنين إلى التخلي عن طلب العلاجات الأساسية لأسباب مالية. السؤال هنا: كيف يمكن خفض هذه النسبة دون التأثير على استدامة النظام؟ وهل هناك خطة حكومية لتقديم دعم مباشر للفئات الأكثر هشاشة؟

من “راميد” إلى “أمو”: نقلة أم عبء؟

أحد المحاور الرئيسية للإصلاح هو الانتقال من نظام “راميد” إلى التأمين الإجباري عن المرض. هذا التحول، رغم طموحه، أثار مخاوف بشأن قدرة الفئات الهشة على تحمل أعباء الاشتراك الجديد، خاصة مع غياب خطط واضحة لدعم هذه الفئات خلال مرحلة الانتقال.

هل تمت دراسة التأثيرات الاجتماعية لهذا الانتقال؟ وهل سيتم تقديم إجراءات موازية لتخفيف العبء عن الفئات الأكثر ضعفًا؟

تحديات العدالة الصحية

العدالة الصحية لا تتحقق بمجرد تعميم التأمين، بل تتطلب معالجة الفجوات بين المناطق والفئات الاجتماعية.

  • المناطق القروية: تعاني من نقص حاد في البنية التحتية الصحية والخدمات الطبية.

  • الفئات الهشة: تحتاج إلى إجراءات استثنائية لضمان استفادتها دون أعباء مالية إضافية.

أسئلة مفتوحة تحتاج لإجابات

  • كيف ستُعالج مشكلة “الحقوق المغلقة” التي تحرم الملايين من الخدمات الصحية؟

  • ما هي الآليات التي ستعتمدها الحكومة لتخفيف نسبة تحمل التكاليف الصحية؟

  • هل هناك رؤية واضحة لتحسين البنية التحتية الصحية في المناطق النائية؟

نظرة مستقبلية

بينما يُعد مشروع تعميم التغطية الصحية خطوة طموحة نحو العدالة الاجتماعية، فإن تحقيق أهدافه يتطلب معالجة جذرية للتحديات البنيوية. العدالة الصحية ليست مجرد أرقام بل حق ملموس يجب أن يشعر به المواطن في كل منطقة من المغرب، من الحضر إلى القرى النائية.

هل يستطيع المغرب تحقيق هذا التوازن الصعب بين الطموح والواقع؟ الإجابة ستعتمد على قدرة الحكومة على الاستماع للمواطنين، وضمان استدامة وعدالة هذا المشروع الوطني.